غنت لثورة شعبها كما غنت لقضيتها، ألهبت حماس أبطال الانتفاضة الصحراوية فصارت كلماتها شعارا لكل من يسعى إلى التحرر من قيود الاحتلال ..
وبعد مسيرة مظفرة واكبت مراحل مهمة ومفصلية في تاريخ الثورة الصحراوية تكابد مريم الحسان المرض العضال الذي غيبها عن الساحة الثقافية، خلال رحلة العلاج حتى وفاها الاجل المحتوم، لتنتقل الى الدار الاخرة يوم السبت 22 اغسطس 2015 بولاية السمارة وبهذا تفقد الاغنية الصحراوية الملتزمة أيقونتها وإحدى نجماتها اللائي ابدعن فيها وانتشلنها من مطبات النسيان الى الوجود وخططن لها بأناملهن وإبداعاتهن وأصواتهن طريقها ضمن الثقافة العالمية والاقليمية المتميزة.
وسعيا منا لتسليط الضوء على جوانب من مسيرتها النضالية في المرافعة عن شعبها نعيد نشر حوار سابق لاتحاد الكتاب والصحفيين الصحراويين مع الفنانة مريم الحسان في الحوار التالي :
ـ الفنانة القديرة مريم الحسان غنية عن التعريف، خاصة وإن اسمك ارتبط بصورة فعلية بقضية الشعب الصحراوي . حتى انك حزت وبفخر على لقب "صوت الشعب الصحراوي"، هل يمكن ان تحدثي القاريء الكريم عنك وعن بداياتك في مجال الفن والأغنية ؟
مريم الحسان : بداية لابد من القول أنني نشأت في عائلة صحراوية محافظة تهتم بالتراث والشأن الثقافي، فكانت أمي تلقنني أصول الغناء والموسيقى الحسانية، وكانت تعلمني جزئيات التراث الصحراوي بمختلف انواعه.
أما بداياني مع الفن بصفة عامة فقد كانت منذ نعومة أظافري، آنذاك بدأت أتعلم فن الغناء واتعاطاه بشكل بسيط وعفوي . أتذكر انني كنت اجتمع وصديقاتي أيام " الفركَان " في البادية، نتجمع حول الطبل أو ما شابهه ونشرع في ترديد الأشوار والأمداح النبوية، واعترف أن هذا الجو خلق لدي احساسا شديدا وميلا لا حدود له تجاه الفن والأغنية بشكل خاص. فالإنسان اذا كان يملك احساسا وميلا تجاه شيء ما، ويعمل في ذات الاتجاه، لابد أن يصل يوما إلى مبتغاه.
ومع بدايات الثورة، اي في مستهل السبعينيات، بدأت اتعاطى فن الأغنية بشكل مختلف عما كنت عليه في السابق، فقد كنت اردد الأشوار التقليدية ولكن بكلمات جديدة تحمل مضامين الثورة ونبذ الاستعمار والتكالب على وطننا، ففي تلك الفترة ظهرت الأغنية الوطنية الثورية وكانت تغنى في المناسبات والأفراح والأعياد، كما ظهر الشعر الشعبي الوطني كذلك. وقد كانت هذه التجربة على بساطتها تمهيدا لتجربة أخرى بدأت في مخيمات اللاجئين، وتحديدا بولاية السمارة، حينها كنت اعمل ممرضة كما كنت أشارك في المنافسات والمناسبات، فكان أول ظهور لي على الركح في الذكرى الأولى لإعلان الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، وتوالت مشاركاتي بعد ذلك وتعززت في الذكرى الثانية لإعلان الجمهورية حيث تم استدعائي للانضمام لفرقة الشهيد الولي مصطفى السيد الوطنية فتألقت حينها بأغنية " ياللالي مذا اطرالي "، وهي أغنية جميلة لاقت استحسانا منقطع النظير ويتمحور موضوعها حول تكالب جيراننا واحتلالهم لأرضنا .
ـ ماذا لو تحدثينا حول أهم المراحل والأشواط التي مرت بها الأغنية الوطنية الصحراوية، لاسيما وأنك كنت من الرعيل الأول الذي حمل مشعل هذا الفن أيام فرقة الشهيد الولي مصطفى السيد منتصف السبعينيات كما اسلفتٍ وفي الثمانينيات فيما بعد؟
مريم الحسان : كانت بدايات الأغنية الصحراوية بسيطة ومتواضعة، والسبب في ذلك يرجع بالأساس إلى تواضع التجربة من جهة وتواضع الوسائل والآلات الفنية من جهة أخرى . فعلى سبيل المثال لم نكن نمتلك ابسط الآلات الموسيقية وهي الطبل ناهيك عن بقية الآلات الأخرى بما فيها الميكروفونات ومكبرات الصوت، وبمعنى محدد ودقيق أننا كنا بدأنا مشوارنا من الصفر، وذات الحال ينطبق على عملنا اثناء التلحين والتدريب والتحضير إلى غير ذلك، وعلى النقيض من ذلك فقد كان الشعر الشعبي الثوري حاضرا ومتداولا، وكان داعما لمسيرة الأغنية وومساعدا دافعا لها، فكان هناك شعراء كثيرون اذكر منهم لا على سبيل الحصر بي ابوه والبشير ولد اعلي وعلال ولد الداف والخظرة من المبروك.
في هذه الفترة كان لي شرف معرفة هؤلاء الشعراء وعلى أعضاء فرقة الشهيد الولي من فنانين وموسيقيين وقد كانت هذه الفرقة مثالا حيا للفن الصحراوي الملتزم والواعي بمضمون رسالته، وكان المسؤولون على الفرقة قدوة في التفاني والاخلاص والعمل الدؤوب . فمن خلال معرفتي بكل هؤلاء واحتكاكي بهم بدأت أتعلم أسس وقواعد الفن السليمة حيث انني لم أكن قبل ذلك على علم بأصول وقواعد الموسيقى والألحان، وقد أهلتني هذه التجربة إلى ظهوري الفعلي، والذي لازلت اذكره واعتز به وقد كان ذلك في الذكرى الثانية لإعلان الجمهورية كما أسلفت من قبل، وبصفة عامة فإن الأغنية الصحراوية الوطنية كانت قطعت في تلك المراحل اشواطا متقدمة، كما أنها مرت كما مررنا بظروف عصيبة وشاقة أشبه بالولادة القيصرية، وشهدت تلك الفترة ميلاد الأغنية الوطنية الحديثة المستمدة من المقامات الموسيقية الصحراوية الأصيلة، فكانت بالنسبة لنا وبالنسبة لمجتمعنا نقلة نوعية نحو التأسيس لفن صحراوي وطني خالص ينحو إلى التفرد والخصوصية. ولا يمكنني بأي حال من الأحوال أن أنسى أو أتناسى ما كنا مررنا به نحن اللواتي حملنا مشعل الفن والأغنية الصحراوية من مصاعب في تلك الأثناء، فقد عانينا الأمرين بسبب تسلط العائلة والمجتمع وبسبب النظرة الضيقة والمتخلفة عن المرأة وعملها خاصة في مجالات الفن والظهور في الاحتفالات والمناسبات، وهي عقلية للأسف مازالت تعشش في أذهان الكثيرين منا حتى هذه الأيام.
ـ في مسيرتك الفنية الطويلة والشاقة كنتِ تسعين دائما إلى التميز والتفرد دون الخروج عن مقومات العمل الفني الغنائي الصحراوي الأصيل، وهو ما أهلك في رأيي للاحترافية وجعل الأغنية الصحراوية تتبوأ مكانة رفيعة لدينا كصحراويين ولدى الآخرين كذلك .
ماهي أسس العمل الاحترافي في رأيك، وكيف للأغنية الصحراوية بكافة انواعها أن تنهج نفس النهج ؟
مريم الحسان : بصراحة نحن لانمتلك أدنى فكرة عن الاحتراف بمعناه الواسع، كما اننا نفتقد حسَّ الاهتمام بجانبنا الثقافي والانتقال بفننا وثقافتنا من التقوقع والانكماش باتجاه الظهور والعالمية، وأتأسف كثيرا وأتحسر لأن الكثيرين من فنانينا وحاملي لواء الاغنية الصحراوية، وإن كانوا يحملون في دواخلهم هذه الأفكار ويسعون إلى تجسيدها في الواقع، إلّا انهم لم يستطيعوا تحقيق مبتغاهم، ولذلك أسباب متعددة أبرزها عدم مساعدتهم ومؤزرتهم وتشجيعهم. كل هذا يحدث رغم أن ثقافتنا الصحراوية اصبحت معروفة في الصين وشتى بقاع العالم، فقد شاركت ـ ولا امتدح نفسي هنا وانما اتحدث بلسان حال الفنانين الصحراويين ـ شاركت في العديد من المهرجانات الدولية لغرض تقديم فنانينا وايصال فننا وتراثنا للآخرين، وأبرز هذه المهرجانات كان مهرجان الجاز بألمانيا، وملتقى الثقافات العالمية ببرشلونة باسبانيا، ومهرجان جاليات العالم باسبانيا كذلك، وفي بريطانيا وغيرها. وقد كانت هذه المحطات فرصة لتمثيل القضية الصحراوية بالدرجة الأولى، كما أنها فرصة للاحتكاك بالخبرات العالمية المتمثلة في الفنانين وصناع الفن، وفي هذه المهرجانات والفضاءات كنا نلتقى بفنانين ومنظمين ومتعهدي حفلات من المغرب سعوا في الكثير من الأحيان إلى تدعيمنا والوقوف إلى جانبنا فهم هؤلاء، كما أننا كنا نتعرض لبعض المضايقات التي لا ترقى الى مستوى الذكر.
على هذا النحو تولد وتتعزز المسيرة الاحترافية لأي فنان، أما بالنسبة لي فقد بدأت مسيرتي الاحترافية في العام 1998، ولابد في هذا المقام ان أشكر عميق الشكر دار التسجيلات العالمية Nubenegra التي فتحت لي الأحضان ودعمتني كما دعمت غيري. ويمكن القول بأن الفن المحترف يفتح أبوابا يستعصى على السياسة فتحها ويمهد الطرق للتعريف بتراثنا وتبليغ رسالتنا النبيلة. فمن خلال تقديم فننا التقليدي الذي يعبر عن هويتنا وأصالتنا وعمقنا التاريخي استطعنا أن نحظى بمعرفة وتأييد الآخرين لنا ولقضيتنا، وقد ارتبطت مع Nubenegra بعقود متواصلة عززت مسيرتي الفنية الاحترافية التي تدعمت بالتسجيلات التي سجلناها معا والتي عرفت رواجا كبيرا من خلال الدعاية لها وتسويقها، وللأمانة فإن هذه الدار سمحت لي في كل العقود التي وقعتها معها بتمثيل الثقافة الصحراوية، كما أنها وفرت لي الدعم الموسيقي والدعائي لصالح الفن والثقافة الصحراوية.
ـ هل يمكن الخوض بنوع من التفصيل في ملامح هذه تجربتكِ الاحترافية ؟
مريم الحسان : كما اسلفت فقد بدأت هذه التجربة في نهاية التسعينيات، آنذاك سجلت بمعية فنانين صحراويين مقتدرين مجموعة من الأغاني الوطنية بالتعاون مع دار تسجيلات فرنسية، وكان لي أمل في أن يرى هذا التسجيل النور وأن يتم توزيعه ووضعه في الأسواق، لكن هذا المشروع لم يحالفه الحظ . بعد ذلك بفترة وجيزة قمنا بإجراء تسجيلات مماثلة علمنا فيما بعد أنه تم تداولها وظهرت في الأسواق دون علمنا أوموافقتنا.
بعد هذه التجربة ارتبطت بعقد مع Nubenegra سجلت خلالها عدة ألبومات ناجحة ورائجة، وتعود جذور هذا الارتباط إلى المهرجان الثقافي الدولي الأول بولاية السمارة وتحديدا في العام 1998، أين وقعت هذه الدار عقدا مع وزارة الثقافة تقوم فيه الوزارة بدور الوسيط بين الفنانين ودار التسجيلات، وقد وقعنا نحن مجموعة من الفنانين على هذه عقود مماثلة رغم جهلنا لمحتواها وكيفية سير العمل بموجبها. المهم في كل ذلك أنه كانت لـ Nubenegra بموجب هذا العقد جولة عبر المخيمات لاجراء بعض التسجيلات، وقد مرت هذه الجولة بالعديد من المصاعب سواء بالنسبة لطاقم Nubenegra أو بالنسبة لنا كفنانين، وكان من نتاج هذه الجولة مشاركتي في العديد من المهرجانات خارج الوطن ابرزها كان في السويد، كما كانت لي تجربة جديدة مع الفنان الاسباني Luis delgado، فسجلت معه البوما يتضمن أغاني من التراث العربي الأندلسي . ولابد هنا من الإشارة إلى ان هذه المرحلة على ثرائها وزخمها كانت قد مرت بصعوبات كبيرة تمثلت في صعوبة التنقل والحصول على تأشيرات الخروج إلى غير ذلك .
وفي نهاية سنة 2002 قررتُ المكوث في اسبانيا مع مجموعة من الفنانين، وقد سجلنا حينها شريطا عنوانه "المدح"، وضم التسجيل مجموعة هامة من الأغاني التقليدية الصحراوية وأمداح الرسول صلى الله عليه وسلم . وفي العام 2004، وبعد النجاح الذي حققتُه في محطات فنية مختلفة بإسبانيا، اتجهت إلى الغناء بمفردي بصحبة عازفين صحراويين، وشرعت في التحضير لألبومي الأخير " أحلام ". ولم يكن التحضير لهذا الألبوم في الواقع بالأمر الهين لكننا رغم ذلك سعينا إلى التغلب على كل الصعوبات التي كانت تعترضنا، وقد كنت حينذاك أصارع مرض سرطان الثدي، وتقرر أن أجري عملية لاستئصاله في الوقت الذي كنت ارتبط فيه بعدد من المواعيد الفنية منها المشاركة في جولة فنية في بلجيكا وسهرة خاصة للتبرع لفائدة الأطفال الصحراويين بـ Guadalajara .. وغيرها. وفي نهاية المطاف تم تسجيل البوم " أحلام " قبل جولة بلجيكا بفترة وجيزة، كما تم إلغاء بعض المواعيد .
ـ غنيتي للشهداء وللسلام وغنيتي للشعب وللقضية الصحراوية بمختلف صورها وللانتفاضة كذلك، ماهي رسالة الفن في رأيك ؟
مريم الحسان : خلال مسيرتي الفنية، ومنذا أن بدأتُ الغناء والتلحين وأينما حللت وارتحلت، لطالما حملت في داخلي هموم شعبي ومشاغل أهلي ورسالة قضيتي، فالفن برأيي هو الوعاء الحامل لرسالة الفنان ولهموم القضية وهو المشجع والمحفز، ولايختلف اثنان على أهمية الرسالة الفنية لما للفن من دور في تبليغ هذه الرسالة، ولما لهذه الرسالة من دور في تقوية الفن واعطائه قيّمه وابعاده الحقيقية، وهذا ما يؤهل الأغنية بصفة خاصة، من خلال كلماتها القوية وموسيقاها المركبة ومن خلال صوت الفنان وآدائه المتقن، إلى ايصال رسالتها بشكل سريع ومستحسَن . فيمكن القول أن الأغنية بمثابة أداة اعلامية قوية الحضور والتأثير، ولذلك فقد حملت الأغنية الصحراوية هموم الثكالى وجراحات الحرب ومعاناة اللجوء، كما أنها كانت عامل تحفيز وتشجيع للمقاتلين وبلسماً للمعتقلين وأولياء المفقودين وعونا ودافعا للمنتفضين في وجه عنجهية القمع والاحتلال .
لقد سعيت دائما إلى حمل مشعل القضية الصحراوية بمختلف صورها ومراحلها من خلال أغنياتي، ولك أن تتذكر أغنية الانتفاضة، هذه الملحمة الرائعة والخالدة والتي مازلتُ ارددها اينما حللت، والتي شكلت دعما وقوة لأهالينا المنتفضين في المناطق المحتلة، فقد ولدت هذه الاغنية من رحم الانتفاضة، وفي ظرف ساعة من الزمن استطعتُ بمعية الفنانة القديرة أم ادليلة لحزام والشاعرين الفحلين بي ابوه والبشير ولد اعلي وشقيقي الفنان بيكة أن ننجز هذا العمل لنؤازر به شبابنا وأهالينا بالمناطق المحتلة ولنشحذ عزائمهم ونلهمهم الصبر ومواصلة الدرب .
ـ من خلال ما تقدمتِ به لابد لنا من الوقوف على الراهن الثقافي، كيف ترين راهن الثقافة الصحراوية، وكيف يمكن لثقافتنا أن تستعيد مجدها كما في السابق وتتجه بخطى واثقة نحو التطور والارتقاء والاحترافية ؟
مريم الحسان: الثقافة معنى واسع وفسيح، وإذا اخذناها بالمعنى المراد طرقه يمكن القول بأنها كانت تتجه بخطى ثابتة نحو التجسد والتطور لكنها في فترة ما فقدت توازنها واندثرت بعض معالمها وربما أجزم بأنها تراجعت بشكل ما إلى الوراء، وأصبحت الثقافة عندنا تقتصر على المناسبات العائلية بصورة جلية وفاضحة، فإذا رجعنا قليلا إلى ذكريات الماضي نجد جوا ثقافيا غنيا وزاخرا، فنتذكر المسرح وفنونه، ونتذكر المهرجانات الخاصة بفن الأغنية بصنوفها المختلفة، كما نذكر المنافسات في جوانب فنون الأدب الشعبي والفصيح، كما كان الفن التشكيلي حاضرا بقوة، وقد تراجع كل ذلك وتضعضع شيئا فشيئا اللّهم ما بقي من محاولات لاتتعدى الحصر، ولي أن أذكر هنا الحضور والتطور الذي شهده الشعر الشعبي الوطني والدور الكبير الذي لعبه الشعراء الصحراويين في تعبئة الشعب والتأريخ للثورة وأمجادها وشحذ الهمم ورص الصفوف، فمن خلال برنامج "في رحاب الثقافة والأدب الشعبي" الذي بدأ في شكل دروس تعليمية لمباديء وقواعد الشعر والموسيقى الحسانية لكنه تطور وأخذا اتجاها متقدما، من خلال هذا البرنامج شاعت القصيدة الوطنية واضحت تتردد على الألسن كما خلق هذا البرنامج جوا ثقافيا لا مثيل له.
ما أتمناه من كل اعماقي أن تعود ثقافتنا إلى سابق عهدها، وأن يحقق كل الفنانين مبتغاهم، وهي لعمري مسؤولية تقع على عاتق المثقفين والفنانيين وعلى عاتق الجهات المعنية بالقطاع الثقافي كما أنها مسؤولية المجتمع كذلك، ولابد من الاشارة هنا إلى أنه ليس من العيب أن يعمل الفنان في اتجاه تلبية متطلباته الخاصة وتحسين مستواه المادي لكنه ملزم ومطالب بالمساهمة في الحفاظ على الثقافة الصحراوية ودعمها وترقيتها في المقام الأول، وربما لن يتأتى ذلك إلّا بدعم الفنانين والمثقفين وخلق مناخ ثقافي متحرك ومتحرر، وخلق نوادٍ ثقافية في الولايات والدوائر لاحتضان الفنانين والمثقفين ولاكتشاف المواهب، وعلى المجتمع أن يساهم في دعم الذين يحملون لواء ثقافته ويسعون إلى تخليص تراثه من الاندثار والتلاشي.
ـ في المجال الثقافي دائما هل تعتقدين أن المؤسسات الثقافية والاعلامية لدينا تقدر الفنان ودوره وتساعده كما ينبغي ؟
مريم الحسان: لا أود هنا الحديث عن نفسي وإنما اتحدث عن كل فنان صحراوي . ففي واقع الأمر فإن فنانينا عانوا ويعانون، رغم ما قدموه من تضحيات جسام، من واقع صعب ومجحف، ويصل هذا الواقع الى حد الإهمال من طرف كل الجهات سواء الثقافية أو الإعلامية. إن قيمة الفنان والفن لدى الآخرين تكمن في في اعتباره حافظا ومدافعا عن ثقافة المجتمع والقضية أي قضية كانت، أما عندنا فالأمر مختلف تماما، فلو أننا أعطينا للفنان وللفن وللثقافة هذه القيمة، معنوية وليست مادية، لما وصلنا إلى ماوصلنا إليه الآن . أقول ذلك وكلي أمل في أن تأخذ التغيرات الأخيرة في عين الاعتبار وضع الثقافة والفنان على حد سواء.
ـ في اعمالك المختلفة تبدو سمات العمل الدؤوب والجاد، كما انه يوحي بأن طاقما كبيرا يقف وراء هذه الأعمال . هل يمكن أن تضعينا بشكل مختصر في صورة تحضير اعمالك، وهل من جديد في الأيام المقبلة؟
مريم الحسان: يقول المثل الحساني " ماخالكة ريظة ما دونها جدبة "، فما أقدمه من أغنيات يقتضي الكثير من التحضير المتعب والتضحية حتى يخرج بصورة كاملة ونهائية. فمن التلحين ووضع الكلمات إلى تركيب الأصوات وترتيب المقاطع الموسيقية مرورا بالتسجيل وإعادة التسجيل إلى غير ذلك، نبذل الكثير من الجهد يصل إلى حد الإعياء والارهاق، كما أن هذه العملية قد تستغرق اياما طويلة. وقد عملت خلال اعمالي مع طاقم معتبر من الفنانين والموسيقيين المقتدرين، خاصة في عملي الأخير "أحلام"، عملت مع شهيد الفن الصحراوي بابا سلامة وشقيقي بيكة الحسان والفنان فكو وبمشاركة الراقصة الكبيرة فديها منت الشين والفنانة فتة منت صدف، وهو طاقم لازم العمل معي طوال السنوات الأربع الأخيرة. أما في الفترة الحالية فيشاركني العمل والتحضير موسيقيون إسبان بالاضافة إلى العازف الصالح حيدة.
أما فيما يخص جديد أعمالي، فأنا أحضر الآن للمشاركة في مهرجان "كوبا ديسكو" بكوبا في شهر ماي المقبل، كما أنني سأحيي حفلا فنيا في منتصف هذا الشهر في valladulid وآخر في Malaga يوم 25 من هذا الشهر وفي شهر ماي المقبل وتحديدا في 17 منه لدي موعد فني ببرشلونة، وفي شهر أغسطس من هذا العام سأحيي عدة سهرات على هامش 2008 Expo Zaragoza، كما أنني منكبة على التحضير لألبوم جديد يضم في ثناياه أغنية تتغنى بالاطفال اليتامى في العالم واخرى حول الهجرة والمهاجرين، ويمر تحضيري لهذا التسجيل بصعوبات لعل أبرزها قلة العازفين الصحراويين، لأنه ولظروف معينة خاصة ظروف الغربة ومصاعبها تعذر على الذين عملوا معي سابقا مواصلة العمل في هذه الفترة، هذا إضافة إلى أن العازفين الإسبان عديمي الخبرة بالموسيقة الصحراوية التقليدية.
ـ هل من كلمة أخيرة تتوجين بها هذا الحوار ؟
مريم الحسان: لطالما تمنيت وحلمت واستشرفت بالإستقلال التام لوطننا العزيز وجمع شملنا بأهالينا وذوينا وأبناء وبنات بلدنا في الأرض المحتلة وفي شتى بقاع العالم، ولطالما تمنيت كذلك من كل قلبي أن تعود ثقافتنا إلى عهدها الزاهر، وأن يصل كل فنانينا ومثقفينا إلى مبتغاهم وأحثهم من خلالكم على العمل المتواصل والدؤوب في شتى مجالات الثقافة والانتاج والإبداع والتدوين لكي تصل ثقافتنا إلى كل أرجاء المعمورة ولكي تطأ أقدام فنانينا ومبدعينا فضاءات ومحافل العالم. فتحية خالصة إلى كل الذين يحملون هم الثقافة الصحراوية دون أن الصحفيين الصحراويين وكل مواقع الفعل الإعلامي فلهم مني تحية خاصة مفعمة بالود والتقدير.
كما أنني أرجو من العلي القدير أن يجمعني بأخوتي وأن أعيش لحظات عمري المقبلة بين ظهرانيهم، وأدعو الله أن ألتقي بولدي، فلذة كبدي، الذي يدرس بكوبا. وأتمنى لك النساء الصحراويات اللواتي يعانين من محنة سرطان الثدي الشفاء والتغلب على مصاعب المرض رغم قلة الأدوية وانعدام المستلزمات الطبية.
وفي الأخير أسخر صوتي وجهدي وفني، كما سخرته دائما، لكل أولئك الذين يقاسون ويلات الاعتقال وظلمات سجون الاحتلال ولجماهير شعبنا الصامدة في المناطق المحتلة ولشبابنا المنتفض الرافض لتسلط وقمع الغزاة ولكل الشعب الصحراوي المناضل .
وأشكركم انتم حاملي لواء الصحافة سواء في موقع اتحاد الصحفيين والكتاب الصحراويين أو في جريدة الصحراء الحرة أوفي موقع الانتفاضة المجيدة.
المصدر/ اتحاد الكتاب والصحفيين الصحراويين