مقال : انتخابات مغربية.. لماذا؟

نتيجة بحث الصور عن علي انوزلا

بقلم : علي انوزلا

يتوجه المغاربة المسجلين في لوائح الانتخابات، في السابع من أكتوبر المقبل، لصناديق الاقتراع لاختيار من يمثلهم في مجلس النواب، الغرفة الأولى داخل البرلمان المغربي، في ثاني انتخابات تشريعية يشهدها المغرب منذ أن تبنى دستورا جديدا قبل خمس سنوات بتأثير من رياح "الربيع العربي".
لكن، خلال السنوات الخمس الماضية، التي وٌضعت فيها بنود هذا الدستور على المحك، كشفت الكثير من عيوبه، وثغراته، خاصة في مجال استقلالية السلط الثلاثة المهمة عن بعضها البعض، وعلاقتها بسلطات الملك الواسعة التي مازالت تهيمن بدون منازع على المجالات الإستراتيجية والدينية والعسكرية، وتضع السلطات الأخرى التنفيذية والتشريعية والقضائية، في موقع التابع لها والخاضع لوصايتها.
وإذا ما علمنا أن القصر، الذي يملك أكبر السلطات في إدارة كل شؤون البلاد بلا رقيب ولا حسيب، يضع نفسه فوق كل محاسبة كيفما كان نوعها، ندرك إلى أي حد تفقد عملية الانتخابات، كآلية شعبية لمراقبة من يدير الشأن العام، الكثير من مصداقيتها وجديتها.
فلماذا سيتوجه الناخبون إذن إلى صناديق الاقتراع، إذا لم يكن بمستطاعهم محاسبة من يملك السلطة الحقيقية في بلادهم؟ ولماذا سيقترعون إذا كانوا يدركون مسبقا أن الغائب الأكبر في هذا الاقتراع هو التعبير عن إرادتهم؟ ولماذا كل هذا التنافس إذا لم يكن موضوعه هو كسب رضى الشعب وثقته للتعبير عن إرادته  وتنفيذها؟
الانتخابات في المغرب هي عبارة عن استطلاع رأي كبير، تجس به السلطة نبض الشارع، لتعود وتنفذ خططها وبرامجها وتصوراتها. والمتنافسون في الانتخابات لا يتبارون من أجل كسب رضى الشعب وثقته، وإنما من أجل الاقتراب من السلطة لكسب رضاها وعطفها.
 والتنافس الحزبي الذي تشهده الحملة الانتخابية التي انطلقت حتى قبل موعدها، هو بين معسكرين همهما الوحيد هو من ينجح في تقديم نفسه كوسيط بين الشعب والسلطة، يكسب ثقة الشعب لطلب رضى السلطة، يقدم الوعود للشعب ليخدم مصالح السلطة، وليس ممثلا للشعب لممارسة السلطة، وهذا هو جوهر العملية الديمقراطية.
لذلك يبدو التنافس القائم اليوم ما بين المعسكرين الساعيين إلى خدمة السلطة وليس إلى امتلاكها، بدون رهانات سياسية كبيرة، ولا يقدم الكثير للدفع بالمغرب إلى تأسيس ديمقراطية ذات مصداقية.
فمن يصورون انتصار معسكر "العدالة والتنمية"، وربما عودة عبد الإله بنكيران (رئيس الحكومة المنتهية ولاتها) إلى رآسة الحكومة، إذا اختار الملك تعيينه رئيسا للجهاز التنفيذي، أنه انتصار للديمقراطية، هم واهمون. لأنهم أولا، ينطلقون من مسلمة خاطئة وهي أن المغرب يعيش مرحلة "انتقال ديمقراطي حقيقي" يجب دعمها ومساندتها للدفع بالبلاد على نفس الطريق، ضد كل من يحاول أن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء. وثانيا، لأنهم لا يريدون أن يتذكروا أن نفس الحزب، أي "العدالة والتنمية"، وزعيمه بنكيران، هما من قادا التجربة الحكومية المنتهية ولاياتها، وهما من قدما للقصر من التنازلات ما لم تقدمه أية حكومة قبلهما، وهما اللذان وضعا ضمن أولوياتهما إرضاء القصر وكسب ثقته قبل إرضاء الشعب والوفاء للثقة التي وضعها فيهما في انتخابات 2011.
أما المعسكر الثاني الذي يقف مع حزب "الأصالة والمعاصرة"، فهم يوهمون الناس بأن المغرب يعيش لحظة ديمقراطية، وأن "الإسلاميين" هم أكبر خطر يهدد هذه اللحظة وبالتالي يجب تجنيد كل شيء لوقف زحفهم، ويقدمون أنفسهم كمنقذين للبلد من أزمته الاقتصاية وكمخلص للمجتمع من هيمنة إسلامية، وهم في قرارة أنفسهم يدركون أن كلامهم هذا غير صحيح، وهم بالتالي يوجهونه لاستهلاك شرائح عريضة من المجتمع تضررت من بعض قرارات الحكومة التي قادها الإسلاميون، لكن في الحقيقة، همهم الأساسي، هو إزاحة الإسلاميين من الحكومة للجلوس مكانهم، وخدمة القصر من خلال التحكم في المجتمع وليس خدمته.
التنافس الحقيقي القائم اليوم بين حزب الإسلاميين ومن يساندهم، وحزب السلطة ومن يناصره، هو القرب من القصر وخدمته وليس خدمة الشعب الذي يتنافسون على أصواته. إنه صراع حول المصالح أولا، وسباق نحو القرب من مركز السلطة الحقيقية، ومن يستطيع أن يقدم لها نفسه خادما مطيعا أكثر من الآخر. إسلاميو "العدالة والتنمية" يصورون أنفسهم بأنهم الأقدر على رعاية مصالح هذه السلطة وخدمتها لأنهم سيوفرون لها سندا شعبيا يضمن لها الاستقرار ويساعدها على تمرير قراراتها وتنفيذ سياسياتها، كما كانوا يعملون جاهدين طيلة السنوات الخمس الماضية التي كانوا يقودون فيها الحكومة المنتهية ولايتها. وحزب السلطة ومناصروه يعتبرون أنهم الأقرب إلى السلطة والأولى بخدمتها وحمايتها من منافسيهم الذين يقدمونهم بأنهم يشكلون خطرا على نفس السلطة، ويصورون سعيهم للتقرب منها بأنه محاولة للاستيلاء عليها.
والواقع أن المغرب مازال لم يخرج من مرحلة "استبداد" سلطوي يتزين بآليات "ديمقراطية"، لإرسال إشارات خاطئة إلى الخارج على أن البلد يسير نحو هذه "الديمقراطية" المنشودة، ويوهم الشعب في الداخل بأن ما يقع هو فعلا "تنافس" أو "صراع" أو "تدافع" (يمكن اختيار اللفظ المناسب حسب المرجعيات) "ديمقراطي" حقيقي حول السلطة، مع أن السلطة الحقيقية، سلطة التقرير في مصير الشعب والبلاد، مازالت محتكرة من طرف القصر، ولم تكن في أي يوم من الأيام موضوع تنافس ديمقراطي جدي أو تعبير عن إرادة شعبية حقيقية تنبثق من صناديق الاقتراع

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق