بقلم : حسام تيمور معارض سياسي مغربي
كثيرون من ينزعون لحشر قضيّة الصحراء “المحتلّة”, في خانة الانفصال عن “دولة” هي بدورها صنيعة الاستعمار!! دولة لم تكن موجودة قبل الحماية الفرنسية-الاسبانية, حيث كان السائد آنذاك ما سُمّي بأرض “المخزن” و أرض “السّيبة”, كما تقول الحقائق التاريخية. في زمن لم يكن يتورع السلطان العلويّ فيه عن بيع مدينة بأكملها مقابل “دراجة هوائية”, و أخرى ك “مهر لفتاة”, (مدينتا سبتة و مليلية). دولة صنعها المُستعمر مِعمارًا و هياكل و أجهزة و مُؤسسات, قبل أن يُسلّمها تحت ضغط المُقاومة الباسلة لمن سيحملون المشعل من بعده, مشعل النهب و السلب و الاستغلال و احتقار الناس و تفقيرهم و المتاجرة بأعراضهم و أحلامهم و مُستقبل أبنائهم, فيما يُسمى بالاستعمار الجديد, أو الاستقلال الممنوح!!
عمق الإشكال في قضيّة الصحراء ليس الانفصال عن “الدولة”, لأنه لا وجود لتلك الدولة أصلا بالمفهوم الكوني الحديث, فالأصل في الدولة أن يكون النظام السياسي خاضعا لها و ليس العكس كما في الحالة المغربية الشاذة, حيث دأب الجميع, ومنذ قرون, على نسْب “الدولة” للقبيلة أو العائلة التي تسطوا على الحكم أو السّلطة (الدولة الإدريسية, الدولة الموحدية, الدولة المرينية, الدولة السعدية, و أخيرا الدولة العلويّة).
إن الإشكال هنا واضح, و هو قضية تحرر مشروعة, من قبضة نظام استعماري لاشعبي و لاوطني. نظام يفرض نفسه على “رعاياه” بقوّة البيعة و الولاء المُستمدة من الشرعية الدينية و الانتساب الخرافي للموتى !! و تكفير الخارج عن هذه المنظومة القروسطيّة المتخلفة. نظام يحتكر الاقتصاد و السياسة و الدين و الوطنية التي يوزع صكوكها على من ارتضى من العبيد الأذلّاء, طبعا مع قليل من فتات الافتراس الاقتصادي أو الريع السياسي !!
الغريب العجيب, في مستجدّات قضية الصحراء “المحتلّة”, ليس هو مسيرة الرعاع و الغوغاء التي استنفر النظام المغربي من أجل إنجاحها كل طاقات و مقوّمات هذه “الدولة”, ليس تحديّا لتصريحات بان كي مون الأخيرة, بل فقط من أجل وضع بصمات “الشعب” على السكين الذي يذبح به النظام نفس الشعب, بسياساته المزاجية الفاشلة و رهاناته الخاسرة. و لإعطاء أمير المؤمنين, الذي لم تخلُ المسيرة من صوره, سندات شعبية يُشركون بها هؤلاء الرعاع المشاركين في المسيرة, على أساس أنهم يُمثلون الشعب المغربي, في تحمل الضربة القاصمة التي يستشف النظام إرهاصاتها. الغريب العجيب في كل هذا اللغط, هو تصريحات بعض المنتسبين لليسار الملكي, و الحديث هنا عن نبيلة منيب و حزبها الذي شرع في تقديم فروض الطاعة و الولاء للنظام المخزني بكل وقاحة. حيث صرّحت الأستاذة منيب في معرض ردها على تصريحات بان كي مون الأخيرة بكلام عجيب غريب, يُحيل على الحالة التيه و الشيزوفرينيا التي يتخبط فيها الرفاق المارقون, حيث تناشد الجميع للتجند ضد “المخططات التي تروم تهديد الوحدة الترابية للمغرب وتفجير المنطقة بناء على حسابات قوى الاستعمار الجديد”, و تدعوا “… للعمل على استثمار الحقائق التاريخية…في الدفاع عن مغربية الصحراء، لأن المنتظم الدولي …لا يتوفر على المعطيات الكافية لاتخاذ موقف متنور ومنصف بخصوص قضية الصحراء” هكذا تكلّم بوق اليسار الملكي !!
إذا كانت المتياسرة تراهن على قضية الصحراء من أجل نيل منصب وزاري في الحكومة المُقبلة(وزارة الخارجية تحديدا), فهذا رهان عاهر و خاسر بكل ما للكلمتين من معنى. عاهر لأنه يخص مصير شعب يئن في انتظار حرّيّته!! و خاسر لأن العالم كله تقريبا مُجمع على أن منطقة الصحراء “مُتنازع عليها”, و القضية مدرجة في خانة “تصفية الاستعمار”. أما الحقائق التاريخية التي يتحدث عنها بوق الشوفينية و الانتهازية, فهي لا تتعدى عدة أوراق بالية تثبث “مبايعة” بعض شيوخ القبائل الصحراوية للسلطان العلوي في غابر الزمان !! فهل صارت الانتهازية و الوصولية تبرر القفز على كل قيم اليسار و الحداثة, و التشدّق بروابط “البيعة” للسلطان, كأساس لبناء “تكتل مغاربي ديمقراطي حداثي، متقدم اقتصاديا وعلميا ومزدهر اجتماعيا وثقافيا” على حد تعبير منيب؟؟ و ما هو الموقف المتنور المنصف الذي تريد أن يتخذه المنتظم الدولي من قضية الصحراء؟ ما هو محل كلمة “متنور” من الإعراب في قضية تحرّر؟ و الإنصاف هنا, هل هو لصالح الشعب المغربي الذي يئن بدوره تحت الاستبداد المخزني, و لم يصل بعد حتى إلى مُستوى “المواطنة” في ظل غياب كل حقوقها المشروعة من سكن لائق و علاج مجاني و تعليم في المستوى, و حيث يُخاطَب بكل غرور و وقاحة من طرف أعلى سُلطة في البلاد بوصف “الرعايا الأوفياء” ؟ أم إن الإنصاف هنا لصالح النظام الملكي الذي وصل الى مرحلة الإفلاس التي تفرض عليه تجديد العبيد و الخدم و الأبواق و تنويع مرجعياتها؟ أليس الشعب الصحراوي أولى بهذا الإنصاف الدولي, و هو الذي يئن منذ أزيد من 40 سنة تحت الاحتلال العسكري و عمليات تغيير فسيفساء هذا الشعب بإغراقه بجحافل المُستوطنين من عبيد المخزن و مرتزقته و مُخدّراته و دعارته, فيما يُحيل بشكل سريالي على ممارسات الصهيونية في فلسطين المُحتلة !! زيادة على الحرب المعلنة ضد الشعب الصحراوي و إشراكه في الريع الاقتصادي و السياسي بشراء الذمم و الولائات على أسس قبليّة و التشريد و القهر و الاضطهاد, و أخيرا و ليس آخرا نهب ثرواته و مقدراته لصالح الحكم المخزني المركزي ممثلا في القصر الحاكم بأمر الامبريالية, التي تريد منيب إقناعنا بأنها تتآمر على دولة من صُنعها و نظام من هندستها, الإمبريالية التي أعطت لهذا النظام على مر التاريخ كل أسباب و وسائل البقاء جاثما على صدور الشعب المغربي قاطبة!!!
إن قضية الصحراء “المحتلة” هي جزء من مشروع التحرر الوطني الشامل, بل تتعدى البعد الوطني لحد البعد الإقليمي, حيث لن ينتهي هذا المشروع بتحرّر الصحراء أو الريف من قبضة “الاستعمار الجديد” الممثل بالمقيم العام “العَلَوي”, أو بتحرر منطقة “القبايل” من حكم العصابة العسكرية الجزائرية, بل بتحرر كل شعوب منطقة شمال افريقيا من وكلاء الاستعمار, في أفق بناء اتحاد مغاربي قوي حر مستقل بإرادة شعبية واعية بتاريخها و ماضيها و حاضرها و مستقبلها, و قادرة على قول “لا” كبيرة, لكل أشكال العمالة و الانبطاح للامبرياليّة و الصهيونيّة, و “القوادة” لصالح الرجعيّات البدويّة !!