مقال :الصحراء الغربية، المنعطف ؟

BABASAYED

بقلم :الدكتور بابا مصطفى السيد*
*استاذ العلاقات الدولية بجامعة الجزائر 3
بالمصادقة على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2152، الذي يجب التأكيد على أنه تجاهل تماما، من جهة، نداءات الاستغاثة المتكررة لسكان المناطق المحتلة للجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية ولمنظمات حقوق الإنسان من أجل توسيع صلاحيات بعثة الأمم المتحدة لتتضمن الدفاع عن حقوق الشعب الصحراوي في مواجهة الاحتلال المغربي، ومن جهة أخرى ، أمل الشعب الصحراوي الوطيد في الحفاظ على ثرواته من النهب ، بوسعنا القول أن ما اتفق على تسميته تعسفا ، مسار السلام في الصحراء الغربية قد مات، ذلك انه لم يعد من الآن فصاعدا سوى مجرد شعار أجوف، أو خدعة كلامية لا تقنع أحدا.
فالمغرب الذي يفهم أكثر من الصحراويين حقيقة وكنه وطبيعة العلاقات الدولية ( ساحة مواجهة مغلقة للصراع بين الأقوياء ، لا مكان فيه للضعفاء) ، قد عرف كيف يستغل لمصلحته سذاجتنا والثقة ، المبالغ فيها وغير المبررة ، التي وضعناها في بعض القوى الغربية والمنظمات الدولية لمساعدتنا في استعادة حقوقنا.
وعن طريق إقناع حلفائه التقليديين ، خاصة فرنسا وإسبانيا ، بأن تنظيم استفتاء في الصحراء الغربية سيؤدي لا محالة إلى زعزعة استقرار المملكة ، فقد نجح تدريجيا، بواسطة الدعم النشط لهذين البلدين ، من افراغ مخطط السلام من مضمونه ، عن طريق اختزاله كلية في بند وقف اطلاق النار.
ولم يكتف بهذا المكسب، والذي يعتبر في حد ذاته حاسما ،بل استمر في استثمار طاقته ووسائله لاستبدال مخطط السلام الأممي ، الذي يشكل حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره قاعدته ومرتكزه الاساسي ، بحل الحكم الذاتي اللقيط ، والذي يتوخى أن يمنحه ، إن لم يتم التعامل مع الأمر بحذر، من بين عدة مزايا أخرى ، امكانية الـ”تملص القانوني “من الشرعية الدولية “بطريقة قانونية” .وقد انعكست استراتيجية المغرب هذه تدريجيا وبشكل واضح، على قرارات المنظمات الدولية، لاسيما تلك الصادرة عن مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة. حيث لم يعد، تنظيم استفتاء تقرير مصير شعب الصحراء الغربية هدفا ذا أولوية، كما كان في سنة 1991، بالنسبة لجهود المجتمع الدولي.
وعليه، فقد اصبحت قضية الصحراء الغربية في أدبيات المنظمات الدولية مجرد “خلاف ثنائي” بين المغرب وجبهة البوليساريو سيعرف نهائيته بوجود ” حل مقبول من الطرفين”. هذا التوجه الجديد لمساعي المتنظم الدولي يدعو الى الاعتقاد بوضوح أن الجلاد والضحية صارا ، من الأن فصاعدا يحظيان بنفس التعامل، بطريقة لا تمييز فيها، وكيف ذلك وهما ” طرفي النزاع”؟ . ومن هنا نستنتج أن انشغال المجتمع الدولي لم يعد يتمثل في محاولة فرض القانون، أو الحق أو العدالة أو المشروعية الدولية تلك الأهداف التي كانت تشكل منذ عقد سر مجهوداته. ذلك انه لم يعد يولي اهتماما يذكرالا لما يمكنه من التعاطي مع منطق القوة الذي يفرضه يوميا المحتل المغربي.
بمعنى آخر ، لم يعد واردا حمل المحتل المغربي على الانخراط في مسار تصفية الاستعمار من الصحراء الغربية وإنما حمل “الطرفين ، جبهة البوليساريو والمملكة العلوية ” على إيجاد” اتفاق مرض يضمن تقرير المصير “. فتقرير المصير لم يعد اساسيا وانما الاساسي هو قبول المغرب لطبيعة أي اتفاق يشترط فيه أن يكون هو راضي عنه، اذا انقلبت الآية واصبح في ظل المنطق السائد رضاء المحتل هو الاساسي.
وبما أن مساعي المنتظم الدولي تندرج ضمن إطار العلاقات الدولية ، فإنه من السهل على المجتمع الدولي أو بشكل أدق على فرنسا ، “القوة المغاربية” أن تجبر الضحية ، أي الشعب الصحراوي ، على عدم الشكوى من معاملة جلاده وأن يقبل ، من أجل استقرار وأمن المملكة المغربية، ما يتفضل عليه به جلاده.
والطريقة العملية من أجل تسهيل عملية هذا الولادة القيصرية واضفاء الشرعية القانونية عليها هي مفاوضات مزعومة “زائفة” و”عقيمة”.
لقد آن الأوان أن نجهر بالقول بأن هذه الخدعة والتماطل قد طالا أمدها أكثر مما ينبغي.
على الصحراويين أن يدركوا ، من الآن وصاعدا ، أن مستقبلهم وفرصتهم في أن يعيشوا يوما بحرية وكرامة ، في منطقة الشمال الغربي لأفريقيا ، يتوقفان على قدرتهم على استنفار قواهم لفرض دولتهم الوطنية على امتداد وطنهم. وفي ما عدا هذه الإمكانية، فلا سلام لهم ولا لأبنائهم. ولتحقيق هذا الرهان الحيوي، ينبغي عليهم أن يتخذوا مسارات أخرى غير التي انتهجوها منذ 1991 ، ويغيّروا طريقة أدائهم السياسي ، ومنح الأولوية للشباب والاستثمار في تشييد وتعزيز المؤسسات الوطنية ، التي من شأنها أن تمكينهم من تحقيق ما ينبغي أن يكون هدفهم والوحيد والأوحد: ألا وهو استقلال بلدهم. إذن ، هل الصحراويون مستعدون لأختيار هذا الطريق؟ في كل الاحوال ، أهم أشاءوا أم أبوا ، فإن مستقبلهم ومستقبل أبنائهم يقتضي هذا الخيار و دفع الثمن الذي يتطلبه.
إذن أن علينا أن لا ننسى أبدا أنه منذ انتشارها بعثة الامم المتحدة الهادفة لتنظيم الاستفتاء تقرير المصير في الصحراء الغربية، سنة 1991 ، انتشارا حظى بتغطية إعلامية واسعة ، فإن النتيجة الوحيدة الأكيدة و التي يمكن التحقق منها، هي أنها قد ساهمت بشكل كبير في “تعفن” الوضع في الإقليم الصحراوي ونزع المصداقية، بشكل لا رجعة فيه، عن الأمم المتحدة في عيون شعب كان يبني، إلى وقت غير بعيد، آمالا عريضة على قدرتها على اعانته على استرجاع حقوقه
ولنقلها بوضوح، إن المينورسو قد أخلت بمهمتها . وانبطحت أمام القوة الاستعمارية المغربية وخضعت لأوامرها ، وظهرت عاجزة بشكل محزن عن الوفاء بالتزاماتها وتنظيم استفتاء تقرير المصير الذي كان ينبغي ، خلال الأشهرالتي تلت انتشارها في المستعمرة الاسبانية السابقة ، أن يمكن الشعب الصحراوي من اختيار مستقبله بحرية.
والأخطر من ذلك أيضا أن المينورسو التي فشلت في الاضطلاع بمهمتها الأولى التي تتمثل في تصفية الاستعمار من الصحراء الغربية، آخر مستعمرة في أفريقيا ، قد تحولت ، عبر السنين، إلى” قوة مساعدة ” للجيش المغربي في مهامه اليومية في الإبقاء على النظام الاستعماري . ولأنها لا تملك أي طموح أو مهمة محددة عدا مساعدة المحتل الاستعماري المغربي في تحييد المقاتلين الصحراويين ، وبالتالي إجبار الشعب الصحراوي تدريجيا على قبول الأمر الواقع الذي تريد السلطات المغربية أن تفرضه عليه ، فقد تحولت المينورسو ، وهذه حقيقة لاجدال فيها، الي عبء ثقيل على المجتمع الدولي وعلى الصحراويين.
وبرفضها القاطع أن تتكفل ، كما تدعوها إلى ذلك بانتظام العديد من المنظمات الإنسانية والحقوقية ، بالدفاع عن آلاف المدنيين الصحراويين ، الذين يتعرضون باستمرار لتعسف المخزن ، فقد فقدت المينورسو جدواها ، ولم يعد لديها ما تفعله في الصحراء الغربية.
ومن مصلحة الصحراويين ومموليها أنفسهم، ان تعيد في أسرع وقت ممكن في طبيعة مهمتها او أن تحزم أمرها و تغادر الإقليم.
وعلى أي حال ، كيف يقبل أن تعتقل القوات المغربية بانتظام وبعنف ووحشية لا توصف أمام مسؤوليها ومقراتها في مختلف مناطق الصحراء الغربية المحتلة ، مسالمين لا يطالبون إلا بتنظيم الاستفتاء الذي هو في الواقع مبرر وجودها وتواجدها في الإقليم؟ ومن تكبيل الصحراويين ، ومنعهم من التعبير عن سخطهم من الوجود الاستعماري المغربي ومنع المجتمع الدولي من الاطلاع على حجم معاناتهم وتحملهم ، لا يدخر النظام المغربي ، في الآونة الأخيرة أي وسيلة . وكالعادة كانت الأضرار جسيمة وخطيرة.
على اي ,لا يمكن للصحراويين المنهكين الذين يتعرضون يوميا للمضايقات والإهانات على يد قوات الاحتلال المغربية ، أ لا ان يتساءلوا ، من الآن فصاعدا ، عن فائدة وتأثير استراتيجية المقاومة السلمية المتبعة إلى الآن. ولا يمكن الا ان يتساءلوا كذلك ، إلى متى يمكنهم أن يقبلوا مواجهة العنف والهمجية العمياء للمخزن المتأكد من إفلاته من العقاب ، بصرخات الغضب والاستغاثة فقط .
كيف يمكن للصحراويين الاستمرار ،أمام اللامبالاة للمجتمع الدولي، في التخلي عن حقهم المشروع في مواجهة النظام المغربي وقواته الأمنية بالعنف للدفاع عن أنفسهم وعن أطفالهم وأسرهم وممتلكاتهم ؟.
وبعد أن فاض بهم الكيل وخاب أملهم بسبب التجاهل الذي يتعامل به المجتمع الدولي مع مقاومتهم السلمية والصامدة والشجاعة، لا يمكن للصحراويين ، من الآن وصاعدا ، إلا أن يفكروا بجدية في جدوى استراتيجيتهم السلمية. اذ كيف لهم ان يبقوا في موقف المتفرج امام المشاهد الصادمة والمتكررة للزوجات والأخوات اللواتي يتعرضن للاغتصاب ، والإخوان أو الأصدقاء الذين يقتلون بانتظام ، او يجرحون أو يسجنون ظلما من طرف “المجموعات الحضرية للأمن المغربي” ؟
يبدوان الصحراويين باتوا مقتنعين أكثر فأكثر بأن الوسائل السلمية لم تعد ذات فائدة كبيرة أمام القدرات التدميرية لجهاز القمع المغربي.
وعلى أي حال، فإن هذه الوسائل السلمية لم تمنع السلطات المغربية من تطويق جميع المناطق المحتلة للجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية وإخضاعها لنظام الظلم الذي شجع كل التجاوزات والانحرافات. وكما كان يقول الجنرال جياب ، إن الاستعمار تلميذ غبي لا يحفظ اي درس من التاريخ . والاستعمار المغربي ليس مجرد تلميذ غبي فحسب، فقد أظهرت لنا الثلاثون سنة الأخيرة ذلك، بل هو تلميذ وقح، وبلا أخلاق، وقليل الاحترام للغير واعتاد أن لا يخشى سوى أولئك الذين يبدون استعدادا لمواجهته بحزم في الدفاع عن حقوقهم وحريتهم.
وقد ساعده على صلفه الحكومات ا الفرنسية لمتعاقبة والحزب الاشتراكي العمالي الاسباني الذي يدين له بالفضل، وهذا ما يجب أن لا ننساه ،   في وصوله إلى السلطة بعد اعتداءات محطة أتوتشا .
والمملكة المغربية هي بصدد “تجريب سياسة استعمارية موصوفة في الصحراء الغربية تهدد الاستقرار والسلم في منطقة الشمال الغربي لأفريقيا وتزرع الكراهية والفتنة بين شعوبها. تلك الشعوب التي يجمعها كل شيء: الدين، والتاريخ والجغرافيا، واللغة والثقافة…
إلى متى يجب أن تتحمل شعوب المغرب العربي في استكانة وتخاذل مخزيين نزوات العائلة المالكة المغربية وممارساتها المهينة وتقبل ، دون اكتراث ، تحمل العواقب الكارثية لسياسة التعفن التي تنتهجها ؟ .

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق