فُجع الصحراويون والجزائريون ومعهم العالم بحادثة طائرة بوفاريك المؤلمة، وذهبت معها النفس حسرات على أرواح 257 شهيدا؛ وقد كست هذه الحادثة المؤلمة بلونها البالغ الكآبة أيامنا هذه، ونحن ما زلنا في حداد بعد أن ودعنا الشهيد البخاري أحمد، وتكاد صور أجساد الشهداء الجزائريين والصحراويين المسجاة لا تفارق مخيّلتي منذ الحدث، حيث حالة ترقب وانتظار تدمى معها قلوبنا وتدمع عيوننا.
ورغم أن طبيعة الانسان أن ينوء بالشدائد، وينكسر بالهموم، ويستثقل الابتلاءات والأنكاد والآلام، إلا أنه لا مفر من قضاء الله وقدره؛ وفي حادثة بوفاريك سمع العالم بيانات التضامن والتعاطف مع الضحايا، ولكن المشهد ليس كذلك وللأسف الشديد بالنسبة لبعض المغاربة، حيث سلطان الموت لم يعد له شيء من الهيبة والجلال والوقار، ورأينا كما العالم أن ثمَّة خُلُقٌ ذميم، وسُلوك شائِن، يدلُّ على نفسٍ غير سويَّة، إنه داء الشماتة الذي لم يصب فقط مواطنين بسطاء دفعهم الحقد والجهل إلى الحديث عن الضحايا باللغة اللئيمة، بل أن حفلة الرقص على صرخات الشهداء من الشعبين الصحراوي والجزائري أتت من مثقفين دون مبالاة بالدماء، ولا بالأرواح التي فاضت لبارئها! ورغم الفاجعة، واصل عدد من الإعلاميين في المغرب تناول المأساة بسخرية وتغيير الحقائق، والانحدار إلى التشفي متخذين دماء الشهداء التي تسيل هناك بعد تحطم الطائرة، مادة للسخرية والتسلية، مستهترين بكل المشاعر الإنسانية، ابتهاجاً بسقوط ضحايا من الشعبين الجزائري والصحراوي، وهي ترجمة لسلوك وضيع لا تمت لأخلاق المؤمن بصلة؛ فقد قال عزَّ شأنُه في وصف المُنافقين: (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا) [آل عمران: 120].
فمهلا أيها الشامتون ربما بمقدور جوقتكم بتناغماتها المختلفة، أن تتحدث طوال الوقت وأن تمرر ماتحتاجه وأن تفبرك كما تشاء، لكن دعم الجزائر للمستضعفين في الأرض ليست طارئةً ولا مستجدةً، فمهلا أيها الشامتون، ففي الوقت الذي كان شعبنا يتعرض للتشريد والقتل بعد الغزو العسكري المغربي لوطننا، كانت الجزائروما زالت تحتضن شعبنا وبكل دفء وتخفف من مأساتنا… فمهلا أيها الشامتون نحن نفتخر أن تدعمنا الجزائر، لأن الجزائر لا تدعم إلا القضايا العادلة، ومن ثورة الجزائر نستلهم كغيرنا من أحرار العالم، عبر السؤدد والشموخ والإباء والأنفة؛ فمهلا أيها الشامتون، نحن والجزائر لا نموت إلا كالمحاربين وقوفا كشجر النخيل، فاليوم يمتزج الدم الجزائري بالدم الصحراوي ليجسد علاقة الوفاء الأبدي والمصيري؛ فمهلا أيها الشامتون، أيزعجكم أن تنقل طائرات الجزائر مرضى شعب لاجئ مسلم للتخفيف من معاناة اللجوء نتيجة الغزو، فمهلا أيها الشامتون، سنرد إن شاء الله للجزائر الوفاء بالوفاء، وإننا نحسب ضحايا هذه الفاجعة شهداء عند ربهم، ونسأله جلت قدرته أن يتغمدهم بواسع رحمته، وأن يسكنهم فسيح جنانه، مع النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا، وأن يلهم الشعبيين جميل الصبر والسلوان.
أيها الشامتون، اطمئنوا، فمن وسط الركام والدماء والآلام ستبق الجزائر كما الصحراء الغربية واقفة شامخة كشجرة باسقة تناطح السحاب؛ أيها الشامتون، لن نسخر أبدا من شرفاء الشعب المغربي الشقيق رغم هول الفاجعة وضخامة الخسارة، فمهلا أيها الشامتون، هنا في الصحراء الغربية، يستمر موكب اليقين قرابة نصف قرن من الصمود والاصرار والمعاناة والتضحيات؛ أولا تدرون أيها الشامتون كم من صحراوي ارتقى بطلا، نقيا، شهيدا، في موكب اليقين هذا؟ أو تجهلون أيها الشامتون أننا شعب يودع شهداءه بفخر واعتزاز ويقيم لهم أعراس الانتصار وسيواصل زرع الأمل والحياة، ورغم المحن، لن نتخل عن قيمنا وشهامتنا ونبق نمد يد السلام والمحبة لشرفاء المغرب؛ ونبق أيها الشامتون نستحضر دوما مواقِف الأقوام من أنبيائِهم حين سخِروا منهم واستهزأوا بهم، فكان النصرُ والعلُوُّ، وقد قال عزَّ شأنُه: (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) [الأنعام: 10].
ومَن يرَ بالأقوامِ يومًا يرونـــــــــــــه معرَّةَ يومٍ لا تُوَازَى كواكبُه
فقلْ للذي يُبدي الشَّمَاتَةَ جاهلًا سيأتيك كأسٌ أنت لا بدَّ شاربُه