مقال : أساليب التضليل المغربية ... !




 بقلم : مبارك الفهيمي


إن للتاريخ فلسفة كما للسياسة فلسفة وللقانون أيضا فلسفة حتى أن التضليل له فلسفة , حيث أن الفلسفة هي عماد الأمور وهي التي اعتمدت عليها الأمم والشعوب لتطوير نفسها وبناء ذاتها وحضارتها وسياساتها , ولعل ما يفسر التراجع العربي منذ عقود هو تخليه عن المنهج الفلسفي الذي كان للعرب دور هام فيه بل لم يكن التخلي عن الفلسفة فقط سببا في تقهقر الأمة , بل تكفير واغتيال الفلاسفة العرب "المسلمين" وحرق كتبهم ,حتى أصبح العرب اليوم والعالم الإسلامي بشكل عام تمارس عليه "الأساليب التضليلية" والتي تعتمد بشكل كبير على الفلسفة وخصوصا "السفسطائية".


وبما أن الصحراويين جزء من العالم العربي ويتشاركون معه في الكثير من النقاط خصوصا الدين والتاريخ, فكان لابدا أن نعطي هذه المقدمة التي تتحدث عن جزء بسيط من أسباب التردي الثقافي الذي يعاني منه الوطن العربي , و الذي نحن جزء منه وتحتلنا للأسف دولة عربية جارة غدرتنا في يوم من الأيام في إطار أطماعها الإستعمارية التوسعية , والتي لا زالت تستعمل مختلف الأساليب القمعية والتضليلية لتصفية المقاومة الصحراوية السلمية في الأرض المحتلة  .


 فالأنظمة العربية خصوصا وأجهزتها الاستخباراتية عملت وتعمل على تطوير أسالبيها التضليلة ودراسة سيكيولجية الجماهير يشكل مستمر من إجل القضاء على الحراك الجماهيري  , حيث تبني هذه الأجهزة التي تديرها ادمغة تلقت تكوينا في دول شوفينية سادية من بينها إسرائيل سياسات ومناهج وطرق لتضليل الرأي العام وتمرير "الكلام الدعائي السياسي " وتخذير العقول  وسوقها  سوقاً لأهداف لا تتناقض مع الرأي السائد  "رأي النظام " .


وتعتمد هذه الأدمغة التي تسير "السياسة الامنية "على مجموعة من الوسائل المتوفرة والتي تستعملها القاعدة الشعبية للمواكبة والإطلاع على جل الأحداث ومعرفة الوضع السياسي في البلاد , ومن بين هذه الوسائل "الوسائط " أو المنابر الإعلامية التلفاز أو الجرائد أو المواقع الإليكترونية التابعة للإحتلال أو السلطة الحاكمة في البلاد.


وتلعب هذه "الوسائط" دور الوسيط بين المتحكمين في القرار في البلاد والقاعدة الشعبية , حيث يمرر من خلال هذه المنابر جل "الأخبار والجمل والكلمات" التضليلية , وطبعا لايمكن لشخص عادي أن يبني "فلسفة تضليلية" تعطي أكلها على المستوى الإستراتيجي , بل تعتمد السلطة على مفكريين استراتجيين وباحثين لكي يساهموا في بناء "فلسفة تضليلية" بعد دراسة المجتمع والقاعدة الشعبية الموجه صوبها هذا" الأسلوب التضليلي" .


 ومن اجل تمرير الخطاب عبر الوسائط الإعلامية المغربية لا بد لهم من "سياسيين " مأجورين يتقنون فن البلاغة والخطابة ,فقد شرح  إيزوقراط علاقة "اللوغوس" ب"الذوكا" أي علاقة "الكلام التضليلي" ب"الرأي" , ومدى تأثير "الذوكا" على الرأي العام وعقول الأفراد والجماعات حيث اعتبر "إيزوقراط" الكلام التضليلي هو " رمز للسلطة والإغواء والسيطرة والإجتذاب والتضليل " , هذا التضليل الكلامي أصبحت جل المنابر السياسية منها والإعلامية المغربية تستعمله ولو بشكل مكشوف , بهدف السيطرة والاغواء واجتذاب الشعب المغربي وجعله ينساق كالقطيع .


إن التضليل الكلامي هو جزء من أدوات الصراع السياسي ,فالخطاب السياسي سواءا الملفوظ أو المكتوب يمكن دراسته ومعرفة زيفه من خلال دراسة الكلام ومقارنته بالوقائع الحقيقية على الأرض  , أوبطريقة أخرى من خلال الخطاب الموجه للشعب يمكن الكشف عن طرق التضليل التي يستخدمها المضللون, وغالبا من السياسيين من أمثال وزير الخارجية المغربي "مزوار " الذي تفوه بكلام مؤخرا يثير الشفقة , أو من الصحافة الصفراء من أمثال "هيسبريس " و " كود " وأخواتها .


كما أن الفكر الفلسفي السياسي والذي يرتبط أساسا "بالتراث السفسطائي" هذا الأخير الذي يعتبر مصدر "فلسفة التضليل السياسي" ,  يعتمد بشكل كبير على البهلوانية اللفظية ليبرر من خلالها بعض خطواته ويفحم بها خصومه السياسيين كما أن "بروتاغوراس" زعيم الحركة السفسطائية هو مصدر" البهلوانية اللفظية" والذي يعتمد على الجدلية الكلامية "الارستيكية" .


لقد كان هدف السفسطائيين هو إفحام الخصوم عبر "البهلوانية اللفظية" وبالإعتماد أيضا على "جدلية الأنتيلوجي" القائمة على تمرير خطاب وكلام مزدوج المعاني,وهم يشتركون مع تلامذتهم السياسيين في هذا ,فالسياسيين في العالم العربي هم نمودج لهذا الأسلوب خصوصا المغاربة  فهم يستغلون جهل الشعوب والحصار الثقافي الذي تمارسه بعض القوى العربية لتكريس الجهل وتعميمه وتسطيح الفكر العربي وجعل المواطن تتقاذفه أمواج التضليل السلطوية عبر خطابها البهلواني بهدف تحقيق نتائج أسلوب  "فن قيادة النفوس"  ,هذا الفن الذي يتقنه الكثير من السياسيين  عبر "الإقناع الكلامي " وهو من أهم الطرق المستعملة بشكل كبير في هذا العصر .


ضعاف النفوس من المواطنين أو حتى المناضلين الذين يتم تغليف فكرهم وإهامهم بأمور وهمية وغير صحيحة بمجموعة من الطرق , ولنا في النظام المغربي وأجهزته الإستخباراتية المثال البسيط على غرار الأنظمة العربية الأخرى والتي تمارس جميع الطرق والسبل التي تم ذكرها مسبقا بهدف تغييب الشعوب وتكريس جهلها , فالنظام المغربي على سبيل المثال يسخر كل إمكانياته المادية و العسكرية وغيرها من تكوين باحثين ومفكرين لدراسة المجتمعات وخلق سياسات وطرق للتعامل مع هذه المجتمعات بطرق جهنمية خطيرة .


فحين قامت انتفاضة الجماهير الصحراوية في سنة 2005 وما تلاها من قمع وبطش واختطاف وقتل لعدة سنوات بعد ذلك تأكد لنظام المغربي هو ومفكريه الفاشلين , أن القمع لوحده لن يجدي نفعا , فاستعمل بعض تلك الطرق التي تم ذكرها بهدف التضليل , فحين يتعرض مناضل على سبيل المثال للإختطاف والتعذيب لعدة مرات دون أن يسجل تراجع عن موقفه تلجأ السلطات عبر ضباطها وعناصرها الذين يطبقون الاوامر حرفيا لفن "قيادة النفوس " أو الاقناع الكلامي, لإقناع المتلقي أي المناضل بالتراجع عن نشطاته, ولكن هذا الاسلوب لم يجدي نفعا في الكثير من المرات ولكنه نجح مع البعض .


  فبالموازات مع القمع والبطش والترهيب والمؤامرات , تقوم الوسائل الإعلامية والسياسية المغربية بدورها التضليلي من "التضليل الكلامي إلى فلسفة الدعاية والإعلام مرورا بالبهلوانية اللفظية إلى القياسات المموهة وفن قيادة النفوس ..الخ" عبر أبواقها من جرائد أو صحف ,والهدف دائما استهداف المناضلين الصحراويين  وحشو عقول عامة الناس الغير واعية بما يحيكه المخزن بالوهم والكذب عبر الوسائط الاعلامية , ولعل موقع "ويكي بوليس " الإستخباراتي وموقع ما يسمى "فكراش صحراوي " و "واد نون نيوز " .. الخ دليل على الأساليب الجديدة للإحتلال .


إعطاء النمودج المغربي في التضليل وتسطيح الفكر وتغليفه واستعمال السياسيين المغاربة لبعض الأساليب التضليلية , لايعني أن هذه الأساليب و الطرق توجد في المغرب فقط , بل تعرفها كل نقطة في العالم العربي تقريبا  , وإن راجعنا قليلا إلى تاريخ الفلسفة السفسطائية وفلاسفتها نجد أن أفلاطون وأرسطو بعدما وضعوا القواعد المعرفية والمنهجية والاخلاقية  لمواجهة الفلسفة التضليلية ونقصد هنا السفسطائيين , بدأت المعركة بين تيار أفلاطون وارسطو من جهة و تيار الحركة السفسطائية من جهة أخرى  هذا الأخير بالرغم من دوره في تقدم الفلسفة اليونانية إلا أنهم كانوا تماما مثل سياسيي اليوم , حيث أن أفلاطون وأرسطو وصفوا "بروتاغورس " و "غورجياس"  و "إيزوقراطس" ــ رواد الحركة السفسطائية ـ ـ بأنهم يهدفون إلى الهيمنة والتسلط على الشعب ووصفوهم أيضا ب "تجار الحقيقة" و "الذين مزجوا الحق بالباطل "و "زيفوا الحقائق " وأنهم "متملقون ونفعيون و مخادعون " وهذه الاوصاف كلها تنطبق على سياسيي اليوم خصوصا النوع المغربي .


إن السياسيين المغاربة يبنون في خطاباتهم على العديد من الوسائل والطرق التضليلية كما سبق ذكره فخطابهم قائم على المغالطة والخداع , وهذا ما عرفناه عن النظام المغربي وسياسييه الفاشلين من أمثال وزراء "حكومة صاحب الجلالة ومعارضة صاحب الجلالة "  الذين لم يتقوا الله في شعبهم المغلوب على أمره  .

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق