مقال : شيخ الإنتفاضة ديدا ولد اليزيد يرحل إلى عالم البقاء:




بقلم : محمد اسلامة الداهي.

بلغ به العمر عتيا، وإن بحثنا عن عنوان يختزل سنين عمره ما وجدنا أفضل من عبارة "مقارعة المحتل"!
في مثل سنه يركن أقرانه الشيوخ إلى الراحة - وقد ترجلوا عن الحياة قبل الأوان- ، ينزوون في ركن قصي من المنزل لا يغادرونه إلا لضرورة قصوى. أما هو فقد اختار معاندة العمر و العلل التي تسكن الجسد النحيل، لينخرط في فعاليات الإنتفاضة مندفعا غير هياب، ينصهر فيها بكله، مانحا إياها العنفوان.
كان ديدا عنوانا جامعا مانعا لرفض الإحتلال و ممارساته البغيضة، كان تجسيدا للكرامة حين تأنف الرغيف المغمس في الذل و المهانة.
ديدا المناضل العضوي الميداني كان التجسيد الحي لكل تمثلاتنا المرتبطة بالحرية والإنعتاق.
طاردته زبانية الإحتلال، مارست عليه كل ساديتها من تشريد وتعذيب وقطع للأرزاق، نكلت به قوات الإحتلال وتربصت به عند ناصية كل شارع، تتقصده في كل اعتصام او تظاهرة لتصب جام غضبها وحقدها وغلها عليه لعل وعسى تنال من إرادته الصلبة فما استطاعت إلى ذلك سبيلا.  وبعد كل مواجهة نلفاه و قد تحامل على نفسه وأوجاعه، و إذا به يقف مجددا في الميدان يتقدم الصفوف مانحا المثال والقدوة و الأنموذج.
في حياة الشهيد ديدا المديدة تتمدد قصة كفاح شعب أراد الحياة؛ إلياذة مقاومة أسطورية، تعلق وجودي بأسمى تجليات الكرامةو توق جارف للحرية والإنعتاق من ربقة الإحتلال.
ديدا سحر ثوري يمارس علينا سطوته؛ يستفز فينا نخوة تنغص على الشاب جلسته على أرصفة المقاهي و على الشيخ لذة لعبة الظامة و تبعث في التلميذ و في المرأة رغبة جامحة في مقارعة الغزاة ليلتقي الجميع في الميدان وجها لوجه مع زبانية المحتل!
واليوم يترجل ديدا الفارس المناضل عن جواده لتستقبله دروب الخلود بعد أن أضحى القدوة في درب الحرية والإستقلال.
الوطنيون الصحراويون سيفتقدونه حتما، سيفتقده المناضلون الميدانيون حين لا يجدونه بينهم في الميدان، سيفتقد المناضلات اللبؤات جسده النجيل المثخن بالجراح وقد تمدد إلى جانبهن على رصيف الشارع وقد عانقت دماؤه دماءهن، سيفتقد أسرانا، معتقلي الرأي، إطلالته المحبوبة وقد تكبد عناء السفر الطويل حتى يشعرهم أن الشعب كله معهم في المعركة، سيفتقد أهالينا في اللجوء و مقاتلينا الأشاوس حضوره الطاغي في كل محفل نضالي و سيفتقده الميدان، بل و ستفتقده شعارات المواجهة التي تقض مضجع الغزاة الدخلاء؛ سيفتقده ذلك الشعار الذي طالما ردده ذلك الجسد المرهق  بقلب موقن وصوت مبحوح "لا بديل لا بديل عن تقرير المصير"!
سنفتقد جميعا ذلك الوجه النحيل الذي يجلله شعر طويل متمرد تمرد روح صاحبه على الظلم والقهر..نعم، سنفتقده ما في ذلك شك، لكن للنفس عزاء، وعزاؤنا سيرته الشامخة العطرة التي سيتناقلها شعبنا أجيالا بعد أجيال، فقد سخر حياته في خدمة الشعب والقضية فاستحق الحياة والخلود عن جدارة.
اللهم أنزل على الشهيد ديدا ولد اليزيد شآبيب رحمتك و عزائم قدرتك و احشره مع الأبرار والصديقين والشهداء والصالحين. آمين

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق