مقال : فوضى حب الوطن والوطنية .. !! ..


بقلم : عبداتي  لبات رشيد

إهداء .. لذلك الأحمق الذي إتهمني دون سبب يذكر بالقاصر وغير المؤهل وأن ثمة شك في وطنيتي وأني ماني أعلا بابي وأن في وطنيتي "إن".. إليك سيدي أهدي هذه الخربشة .. هذه مقاييسك للوطنية وأنا سعيد بأنها لا تتوفر في .. سعيد بأنني لست وطنيا بمقاييسكم .. !! ..

لا أحب الكتابة عن حبي لبلدي لكنني أحب التعبير عن ذلك الحب واقعا لا نفاقا، وحقيقة لا خيال، أحب ممارسة حبي لوطني في كل طقوسي وحتى الفوضوية منها التي لا يراها سوى ربي الذي خلقني وخلقكم، وعندما أقولها وأصرخ بكل قواي وبكل جوارحي في وجه من يحبون هذا الوطن ومن لا يحبونه، وفي وجه من يدمروه ومن يبنوه، وفي وجه من أضاعوه ومن ضيعوه، وفي وجه من سرقوه ومن سرق منهم، لكن لكل منهم لحن وعزف خاص وهذا ما لا يفهمه الجميع للأسف.
ثمة غالبية من الناس البسيطة المتواضعة تحمل وطنا بهمومه ومعاناته وآلامه داخل قلوبها وهي بالتالي تريده وطنا يحمل قضايا أمة عليها أولا وقبل كل شيء إثبات وجودها، وثمة قلة من الناس المعتوهة والمتعجرفة يحملها هذا الوطن الجريح على ظهره وقد صارت عبئا ثقيلا وهي بالتالي تريده وطنا للرقص واللهو على أنغام خيانة الأمانة والتاريخ ولا صوت يعلوا فوق صوت التصفيق و"الڨيتارا" والطبل و"البيانو"، فكل المناسبات وحتى السياسية منها صارت مهرجانات موسيقية ومنابر خشبية في المقام الأول وردد يا شعب معهم وخلفهم أغاني فنان الجيل أعلي سيدح العصرية والراقصة "الدايرة حالة في شباب اليوم" عن "أرويموا الواعي آخر الليل"، و"لفليح والشيطان في منانة والشعرة وأبليس أمعاه أثنين"، وهيا نرقص ونغني كمان وكمان ما دام تغير الحال من المحال وما دام الرقص على أنغام المدافع والرشاشات مؤجل الى مالا نهاية.
للوطنية في فلسفة هذا النظام معنى أخر غير الذي نعرفه ونشعره، أن تكون وطنيا عليك أن ترقص أولا ثم أن تغني معهم وخلفهم أغاني ولو من نوع "الصًح الدًح انبو" وبعد ذلك عليك ربما أن تكون شاعرا حتى ولو كانت قصائدك من نوع "الحلزونة والسًنَونَو" التي تقتل من الضحك من ديوان "أبيع نفسي" للشاعر الكبير عادل إمام في فيلمه الشهير "مرجان أحمد مرجان"، ولا بأس إن إحترفت مهنة تأليف الشعارات الجاهزة من النوع "التايواني" التي تستهلك مناسباتيا ثم تنسى، ورغم ذلك ستبقى وطنيتك ناقصة طالما أنك لا تعرف كيف ترفع صوتك عاليا مكررا شعارات أكل عليها الدهر وشرب ولم تعد تنفع حتى ولو رجع بنا الزمن الى عهد الشيوعية والإشتراكية الغابرين.
في فلسفة هذا النظام لن تكون وطنيا قبل أن تعلن جهارا نهارا وبلغة خشبية رديئة أنك ثوري من الدرجة الأولى وأنك تصلي على أصنام هذا النظام عند معبدهم للوطنية خمس صلوات في اليوم متبوعة بخمس نوافل وستبقى وطنيتك ناقصة طالما أنك لا تدعوا لهم بعد كل صلاة بطول العمر والإزدهار والنماء ( نماء ثروتهم طبعا) ودون أن تنسى أن تدعوا لهم بدوام الحال ( دوام طبعا البقاء على الكرسي ).
في وطنيتك شيء من "إن وأخواتها" كما قال صاحبنا عني إذا كنت "أتحل فمك" في شيء لا يعنيك وتتكلم في خصوصيات النظام من سياساته، الى أملاكه، الى مشترياته، الى مبيعاته، الى فساده، الى سرقته، الى كذبه، الى نفاقه والى "اتبهديلو" للمواطنين أو الى حتى تصرفاتهم ونكتهم التي لا تتوقف بسبب أخطاءهم وهفواتهم التي لا تغتفر والتي لا يصلح أن تصدر عن مسؤولين يديرون مؤسسات في دولة يفترض أن تحترم نفسها ومواطنيها وتراعي مشاعرهم.
في مخيماتنا التعيسة لن تكون وطنيا يضرب بك المثال قبل أن تكون قبليا وعنصريا وسارقا وكذابا ومنافقا، لن تكون وطنيا إن أنت تحدثت عن معاناة غيرك، فقط عليك أن تتحدث عن نفسك "وتديها في راسك" وأن تترك الشأن العام لولاة أمرك حيث لن يحركوا ساكنا لأجله أبدا و"ما لاهي إڨوم لو حد من أرقاد".
في وطني إن أردت أن توسًم بوسام الوطنية عليك ببساطة أن تحترف مهنة بسيطة إسمها النفاق و"الهز"، و"التحزار" و"التشكام" لولاًة أمرك، وعليك أن ترضى بفتات بقايا البقايا المتبقية من طعام ولي نعمتك، عليك أن تكون أبكم أصم "ما شفت ما ريت"، وان تحسن فقط الإستماع وتتقن التنفيذ دون أن تتفوه بأي كلام.
في هذه البلاد العجيبة لن تكون وطنيا إلا إذا واجهت وعاديت من يختلف مع النظام الحاكم في الرأي وستكون وطنيا بدرجة شهيد إن أنت شوهت سمعة من ينتقد هذا النظام وبهدلته أمام الملأ وأعطيته دروس في الولاء وفي كيفية شكر فضل حكًامه عليه، فهم من درًسوه وهم من "كبًروه" وهم من "وكًلوه" وهم من "شرًبوه"، ولولاهم لما كانت لنا قضية ولا دولة ولا وجد هو ولا أبوه ولا أبو من خلفوه من الأصل، وجعلته يستحي من نفسه ويشكك في عقله وأخللت بتوازنه بالعبارات الخشبية الرنانة التي تهز الأبدان قبل العواطف متبوعة ببعض التصفيقات الحارة والزغاريد المصطنعة المدوية.
عندنا لن تكون وطنيا إن كنت داعي للتغيير، أي تغيير .. !!، حتى ولو كان تغيير أماكن فقط، لن تكون وطنيا حتى ولو كنت تريد فقط تغيير حالك وتحسين ظروفك، لن تكون وطنيا إن طالبت برفع راتبك او تحسين تغذيتك وظروف عيشك وستتهم بزعزعة الاستقرار إن أنت دعوت الى ذلك جهارا نهارا، كيف لا والإستقرار مضمون فقط ببقاء أولياء أمورنا على كرسي الحكم وعدم الطمع في إقتسام المال العام معهم، وفقط وحدهم من يحق لهم رفع رواتبهم وتحسين ظروفهم ومكان إقامتهم وحتى سياراتهم ودائما من المال العام لأننا ببساطة شعب قاصر ومعاق في نظرهم ولأنهم وحدهم من يعرف مصلحتنا من "مطلحتنا" ويحتاجون الى الراحة المادية والنفسية التامة حتى يفكروا جديا ومليا في ما يمكن أن يفعلوه لأجلنا.
في بلدي لن تكون وطنيا إذا خالفت وستكون خائنا إن أنت كتبت أو تفوهت برأيك المخالف ذلك وستدفع الثمن لا محال وستضطر يوما ما الى أن تغادر هائما على وجهك لا تعرف الى أين تتجه ولا الى أين المفر أو أن تنتحر فكريا على أسوار معبد الموالاة.
في فوضى حب الوطن والوطنية لم يعد لهذه الكلمة معنى ولا قيمة ولا طعم أفسدوها من أفسدوا كل شيء وأفرغوها من محتواها من افرغوا كل شيء وأصبحت كباقي الأشياء العينية محمولة في محفظة يمكن بيعها وشرائها ببساطة بعد أن ظلت طوال الدهر مجرد شعور مكتوم داخل قلب كل إنسان لا يعلم صدقها من عدمه سوى الله رب العالمين.
الوطنية في بلدي وبهذا المعنى في طريقها الى الانهيار وذلك رغم الترميمات التي يتم إجراءها من وقت لآخر من خلال أفواج الحقوقيين القادمين من المناطق المحتلة، ولكن هل يعلم هؤلاء المرممون الذين حطموا الوطنية بأيديهم كيف يخطط عشرات الشبان "الطايحة بيهم" مثلما خطط ونفد عشرات من إخوانهم فخاطروا بحياتهم لتخطي الجدار العازل او"الربط" للوصول الى العدو، وفي الطائرات التجارية في إتجاه المجهول فقط حتى يكونوا بعيدين عن أوجوه مسؤولين من أمثال الذين يحكموننا اليوم


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق