كتبت : سماح الجمال
بداية أؤكد على أنني أنتمي إلى مدرسة صحفية تقدس أمانة الكلمة.. تعرف ماذا تكتب، ومتى تكتب، ومتى تصمت.. تعلمت أن شرف الصحفي مثل عود الكبريت، لا يشتعل غير مرة واحدة، وأنا لم ولن اشتعل. مدرسة تحترم الرأي والرأي الآخر، وتحترم ثقافة الاختلاف.. تضع ميثاق الشرف الصحفي نصب أعينها قولا وفعلا، فلا تلقي التهم على الآخرين جزافا بغير دليل.. لا تقذف ولا تسب ولا تلعن، لا تقول إلا كلمة الحق مهما بلغت حدة الخلافات السياسية أو المذهبية. من أجل ذلك، هالني ما نالني وغيري من زملاء المهنة، من تشهير شخصي واتهامات باطلة أطلقتها وسائل إعلام محلية ودولية كنت أظنها لا تقول إلا الصدق ولا تسعى إلا وراء الحقيقة.. لكنها ارتكبت أخطاء مهنية وأخلاقية فادحة يعاقب عليها القانون.. بعض الفضائيات والصحف- التي كانت موضع احترامنا- عندما أدلت بدلوها في قضية إنسانية عادلة، كان الأولى بها أن تكون أول من يقف بجانب المدافعين عنها، لا أن توجه سهامها المسمومة إلى صدورهم، وتوجه إليهم الاتهامات المزيفة بدون أي دليل.
عندما تلقيت الدعوة من منظمي ندوة دولية بعنوان "حق الشعوب في المقاومة.. حالة الشعب الصحراوي نموذجا"، والتي نظمت بالعاصمة الجزائرية خلال الفترة من 10 إلى 13 ديسمبر الماضي، لم أتردد في قبول تلك الدعوة الكريمة من دولة شقيقة، لم أر منها ومن أهلها إلا كل محبة واحترام وتقدير لمصر والمصريين..
تلقيت الدعوة بصفة شخصية كصحفية وكاتبة وأديبة، فذهبت إلى هناك وحضرت وقائع الندوة الدولية، وكنت أؤكد في كل مناسبة أنني حضرت بصفة شخصية ولا أمثل جهات أو حكومات، وقمت بتغطية الندوة بشكل حيادي ومهني وموضوعي لجريدة "الشعب"، فكانت تنشر رسائلي الصحفية تباعا.
بعد ذلك وجدتها فرصة قليلا ما تتاح لي أو لأحد من الصحفيين، لأن أكون قريبة من موقع الحدث.. فقررت الذهاب إلى مخيمات أشقائنا اللاجئين الصحراويين الذين نسيهم أو تناساهم الإعلام العربي.
قررت أن أسعى وراء الحقيقة لمعرفة حقيقة قضية ذلك الشعب الشقيق عن قرب ومن أفواه أبنائه، وأن أطالع على أرض الواقع كيف يعيش هؤلاء داخل الخيام في قلب صحراء قاحلة جرداء، لا يسأل عنهمأحد من بني جلدتهم، ولا يزورهم إلا وفود من دول أوربية وأمريكية وإفريقية، فعقدت العزم على ألا أستقي معلوماتي من مجرد كلمات مكتوبة من هنا وهناك.
ومن داخل المخيمات، شاهدت وسمعت وعشت بجوار هؤلاء البسطاء، فتولدت لدي قناعاتي الشخصية والمهنية بأن لهم كامل الحق في نيل حقوقهم وتقرير مصيرهم، من منطلق إيماني المطلق بأن الإنسان ينبغي أن تكون أفكاره ومبادئه واحدة لا تتجزأ.. وأنا أرفض الظلم والقهر والانقلابات والانفصال والتشرذم والقطيعة.. أرفض كل ما يفرق، وأسعى لكل ما يجمع شملنا كأشقاء عرب ويوحد صفوفنا.. كانت قناعاتي وزملائي خلال زيارة المخيمات، أننا نساهم في التعريف بقضية إنسانية عادلة، ونحاول البحث عن أفضل السبل للتقريب بين الأشقاء، لم نعمد أبدا إلى التعبير عن وجهة نظر واحدة من جانب واحد رغم عدالة قضيتهم..
من أجل ذلك أعلنا استعدادنا الكامل للانتقال إلى الجانب الآخر، وهو الذهاب إلى الأراضي المغربية للتعرف عن قرب على وجهة نظرهم، ونقلها بكل حيادية وشفافية وموضوعية إلى الرأي العام في مصر والعالم العربي. رغم هذا الموقف الواضح الجلي، إلى أنني فوجئت ببعض وسائل الإعلام، تلجأ إلى أساليب إثارة رخصية تتمثل في اجتزاء كلمة أو بعض كلمات، صرحنا بها أثناء زيارتنا للمخيمات، ثم تأول هذه الكلمات بطريقة غير مهنية بهدف الوقيعة بين نظامي الحكم في مصر والمغرب، لكن الأمر تعدى ذلك وكادت أن تقع فتنة بين شعبي البلدين الشقيقين. لم تحاول وسائل الإعلام التي نشرت هذه الاتهامات الظالمة، أن تلجأ للسؤال والاستفسار من أصحاب التجربة الذين تكبدوا مشاق السفر والإقامة في الصحراء على مسؤوليتهم الشخصية، ومن دون تمويل أو تكليف من هذه الجهة أو تلك كما زعموا ظلما وعدوانا.. بل تعمدت التطاول والتشهير الشخصي والتخوين، وهي أمور أفزعتنا، ليس لأننا نخشى أحدا أو أننا في موضع اتهام، وإنما الزج بنا في أتون حرب سياسية لم ولن نكون طرفا فيها لصالح هذه الجهة أو تلك. نحن لا نسعى إلا وراء الحقيقة والعدل وتحقيق المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان التي تقرها جميع القوانين والأعراف الدولية، ناهيك عن شريعتنا الإسلامية الغراء التي تنهى عن الظلم والعدوان وتحض على الحق والعدل. لا أجد ما اختم به، إلا التأكيد على حياديتنا تجاه هذه القضية، ورغبتنا الصادقة في إيجاد حل عادل لها يراعي مصالح جميع أطرافها، واستعدادنا لتكوين وفد يمثل منظمات المجتمع المدني من كافة الدول العربية، يكون بمثابة رسول سلام بين الأشقاء في المملكة المغربية والصحراء الغربية، علنا نوفق في تقريب وجهات النظر وإنهاء معاناة شعب شقيق مشرد في الصحراء منذ أربعة عقود مضت.