علي أنوزلا
خلال الأسبوعين الماضيين، تعرضت صورة المؤسسة الملكية المغربية، في وسائل إعلام دولية مؤثرة، لضربتين مزدوجتين هزتا صورتها لدى جزء من الرأي العام الداخلي والخارجي، ومع ذلك قوبلت الهزتان بصمت رسمي مريب!
المرة الأولى عندما أوردت صحيفة "واشنطن بوست"، قبل أيام، خبرا يتعلق بحكم محكمة أمريكية في تكساس، صدر يوم 13 من الشهر الجاري، ويقضي برفض تطبيق حكم صادر عن القضاء المغربي يتعلق بتغريم رجل أعمال أمريكي 123 مليون دولار، طالبه بها مواطنون مغاربة من بينهم عضو من العائلة الملكية المغربية.
حكم المحكمة الأمريكية لم يناقش موضوع القضية، وإنما اكتفى بالطعن في استقلالية القضاء المغربي، اعتمادا على تقارير منظمات دولية تشكك في استقلالية القضاء، وأورد تصريحا لأحد مستشاري الملك الحاليين يقر فيه بأن استقلال القضاء في المغرب ليس شيئا واقعيا، بما أن القضاة يتلقون عبر الهاتف تعليمات من وزارة العدل المغربية.
لكن الضربة القوية التي حملها نص الحكم الأمريكي هي تلك التي قال فيها القاضي بأن القضاة في المغرب يخافون من إزعاج الملك والعائلة الملكية بأحكامهم: "القضاة ليسوا أناسا أغبياء غافلين عن الضغط الخارجي. كما يتضح من الاحتجاج المكثف لدى الوسط القضائي، فإن القضاة المغاربة يدركون تماما أن مصدر رزقهم (حاضرا ومستقبلا) مرتبط بعدم إزعاجهم للملك والعائلة الملكية".
وفي هذا الحكم اتهام مباشر للملك بالتأثير على استقلالية القضاء، بينما هو "الضامن لاستقلال السلطة القضائية"، حسب نص الفصل 107 من الدستور المغربي. ومع ذلك لم يصدر أي رد فعل أو توضيح سواء من الديوان الملكي المغربي أو من الحكومة أو من وزارة العدل، يعلق أو يرد على ما تضمنه هذا الحكم، الذي تداولته وسائل إعلام مؤثرة على الصعيد العالمي، من اتهام مباشر للملك بالتدخل في استقلالية القضاء المغربي!
أما الهزة الثانية فهي لا تقل قوة عن سابقتها. ويتعلق الأمر بالخبر الذي أوردته صحيفة "إلموندو" الإسبانية، وتداولته، على نطاق واسع، وسائل إعلام عالمية. يقول الخبر إن دورية من الحرس المدني الإسباني أوقفت يوم 7 غشت (أغسطس) الجاري الملك محمد السادس في مياه مدينة سبتة المحتلة، حيث كان على متن يخته، في إطار مراقبة روتينية للقوارب العابرة للمضيق بحثا عن مهاجرين غير شرعيين أو مهربين للمخدرات. ورغم الحديث عن صدور اعتذار رسمي إسباني للملك المغربي الذي هاتف نظيره الإسباني من على يخته للاحتجاج على تصرف عناصر الحرس الوطني لبلاده، إلا أن صفحات المواقع الاجتماعية المغربية رأت في الحادث "إهانة" للمغرب، نظرا لما يرمز إليه الملك بصفته "رئيس الدولة، وممثلها الأسمى"، طبقا لنص الفصل 42 الدستور المغربي، والذي يعتبر أيضا أن "الملك هو ضامن استقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة". والحادث كما تناقلته وسائل الإعلام العالمية جرى على مرمى حجر من الشواطئ المغربية، بالقرب من مياه مدينة سبتة المغربية التي تحتلها إسبانيا!
ومرة أخرى، لم يصدر أي بيان أو تعليق رسمي على هذا الخبر سواء من الديوان الملكي أو من الحكومة أو من وسائل الإعلام الرسمية المغربية التي تجاهلته، كعادتها، بما أنه يرتبط بما وصفته المواقع الاجتماعية بـ "الإهانة" التي تعرض لها الملك!
بالمقابل، نتذكر كيف احتج المغرب رسميا، وبقوة، عندما تعرض موظفون كبار في الدولة لما قالت السلطات المغربية بأنها "إهانات" في الخارج. حدث ذلك في فبراير الماضي، لما حاولت عناصر من الشرطة الفرنسية توقيف رئيس المخابرات المدنية المغربية عبد اللطيف الحموشي، بمقر إقامة السفير المغربي بباريس، للتحقيق معه في عمليات تعذيب مفترضة منسوبة إلى جهاز المخابرات الذي يرأسه. عندها كان رد فعل الدولة المغربية وأجهزتها الحكومية والإعلامية عنيفا، تمخض عنه استدعاء السفير الفرنسي في الرباط، وتعليق التعاون القضائي المغربي الفرنسي إلى يومنا هذا.
وتكرر مع وزير الخارجية المغربية صلاح الدين مزوار، في مارس الماضي، عندما تعرض لتفتيش أمني مهين أثناء عبوره مطار شارل ديغول الفرنسي، حيث طلب منه نزع معطفه وحزامه وحذائه وجواربه، على الرغم من إدلائه بهويته وجواز سفره الدبلوماسي. يومها احتج المغرب رسميا، واضطر وزير خارجية فرنسا إلى الاعتذار رسميا لنظيره المغربي.
وحدث شيء مماثل عندما استدعت الرباط في يونيو الماضي سفير فرنسا في المغرب لإبلاغه احتجاجها الشديد على ما وصفته بـأنه "اعتداء معنوي جبان" تعرض له الجنرال عبد العزيز بناني، المفتش العام السابق للقوات المسلحة الملكية، أثناء فترة استشفائه في أحد المشافي الباريسية.
في الحالات الثلاث، خرجت احتجاجات رسمية قوية عن مؤسسات الدولة المغربية، وصدرت تصريحات رسمية عن مسؤولين حكوميين وحزبيين مغاربة تستنكر وتندد، وأُطلق العنان لوسائل الإعلام الرسمية والخاصة التي لم تتردد في وصف الحوادث الثلاثة بـ"المهينة" و"الاستفزازية"، بل وتم تنظيم مظاهرات احتجاجية أمام سفارة فرنسا في الرباط.
لكن، عندما يتعلق الأمر بحوادث توصف بـ "المٌهينة"، ويكون الملك أو أحد أفراد الأسرة الملكية هو موضوعها، تلتزم كل الجهات الرسمية والإعلامية، بما فيها حتى تلك الخاصة، عدم التعليق أو الخوض في الموضوع، وكأنه لم يحدث أصلا، وذلك تجنبا لإثارة النقاش حوله، وحتى لا يٌفتَح باب الأسئلة الجوهرية حول موضوعه. وبما أنه نادرا ما يصدر أي رد فعل رسمي عن المؤسسة الملكية، فإن الكل يبتلع لسانه ومعه يبتلع "الإهانة"، وكيفما كان حجمها! فالأمر يتعلق، كما يرى ذلك مراقبون، بالاستهانة التي مازال القصر يعامل بها الرأي العام الداخلي، عندما يحجب عنه أخبار وردود فعل المؤسسة الملكية التي توجد في صلب الحياة السياسية المغربية.
هذا التصرف الغامض يطرح أكثر من سؤال حول الأداء التواصلي للقصر، في زمن أضحى فيه التواصل السريع والشفاف سلاحا ذا حدين إن لم تقطعه قطعك.