التقرير السنوي للجمعية المغربية لحقوق الانسان برسم سنة 2014


 

تــــــــــــصريــــــــــــــح

الجمعيــــة المغربيــــة لحقــــــوق الإنســــــان
تحيي اليوم العالمي لحقوق الإنسان - 10 دجنبر  2014- تحت شعار:
»  نضال وحدوي ومتواصل من أجل نصرة حقوق الإنسان «

تحيي الجمعية المغربية لحقوق الإنسان اليوم العالمي لحقوق الإنسان، 10 دجنبر 2014، الذي يخلد هذه السنة الذكرى 66 لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، في ظل ترد عام للوضعية الحقوقية في المغرب، سواء على مستوى الحقوق السياسية والمدنية، أو الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أو الحقوق البيئية والحق في التنمية أو حقوق الفئات. فالحق في تأسيس الجمعيات والانتماء إليها، وحرية التجمع والتظاهر السلمي، وحرية التعبير وحرية الصحافة، وحق الجمعيات والنقابات والأحزاب في تجديد مكاتبها، وعقد اجتماعاتها وتنظيم أنشطتها الإشعاعية والثقافية تعرف تضييقا غير مسبوق في مغرب القرن الواحد والعشرين؛ بينما تشهد حرية المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان مسا خطيرا بها، لا سيما خلال الأشهر الستة الأخيرة من السنة الجارية؛ في محاولة من الدولة تسفيه عمل الحركة الحقوقية والمس بمصداقيتها، بوجه عام، وتشديد الخناق حول الجمعية والضغط عليها، بكيفية خاصة، عبر المزاوجة، من جهة، بين تكثيف حملات الدعاية المغرضة والرخيصة الموجهة ضدها؛ واعتماد، من جهة أخرى، كافة الأساليب اللامشروعة وغير القانونية المفضية إلى عرقلة أنشطتها وحرمانها من استعمال القاعات العمومية؛ في مسعى منها لإعاقة برامجها في مجال النهوض بحقوق الإنسان والتربية عليها، مع المراهنة على شل فروعها  بعدم الاعتراف بوجودها القانوني، وذلك وفق خطة ممنهجة تفيد ما يشبه الحظر العملي أو التقني للجمعية.

هذا فيما تستمر شعوب المنطقة المغاربية والعربية في نضالها ضد قوى الاستبداد والتخلف، وفي مواجهة تدخل الإمبريالية الأمريكية والأوروبية وحلفائها، لإدامة تحكمها في سياسات واقتصاد وخيرات المنطقة، والإجهاز على تراكمات الحراك الشعبي الذي انطلق من أجل إرساء أسس الديمقراطية وبناء دول الحقوق والحريات؛ وهو ما جعل الأحداث في بعض الدول تتخذ مسارا خطيرا إما نحو حرب أهلية مروعة ومدمرة للإنسان وللبنيات الاقتصادية والسياسية والمجتمعية تقودها فيالق التطرف والإرهاب ودعاة الطائفية والاحتراب، وإما صوب حكم عسكري يجهز على آمال الشعوب في التحرر والديمقراطية.

أما على المستوى العالمي فإن الاحتفال بالذكرى السادسة والستين لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يجري على إيقاع التدهور المتزايد لحقوق الإنسان والتراجع على مكاسب البشرية، واحتجاج الشعوب في الكثير من الدول الأوروبية والأمريكية على انتهاك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية؛ نتيجة سياسات الحكومات المحملة للمواطنين والمواطنات عبء وثمن الأزمة الاقتصادية العالمية؛ فيما تتصاعد النزعات والصراعات الإقليمية، وتستعر الحروب في العديد من المناطق، ويتوالى التقويض الجامح للبيئة والاستغلال المكثف للمخزون الطبيعي؛ الأمر الذي حدا بالمنظمات والشبكات المدافعة عن حقوق الإنسان في العالم إلى رفع صوتها للمناداة بإقرار التوازن والعدالة واحترام حقوق الإنسان كثابت في أية معادلة سياسية دولية، بالرغم مما ينالها من هجومات ومضايقات.

1/ وتخلد الجمعية اليوم العالمي لحقوق الإنسان هذه السنة تحت شعار: " نضال وحدوي ومتواصل من أجل نصرة حقوق الإنسان الذي تعبر من خلاله عن إدانتها للحملة القمعية الممنهجة، والاعتقالات والمتابعات في صفوف المدافعين على حقوق الإنسان بشكل عام، ومناضلات ومناضلي الجمعية  ونشطاء حركة 20 فبراير بالخصوص.

2/  إن أهم ما ميز ويميز الواقع الراهن لحقوق الإنسان بالمغرب، هذه السنة، هو التراجع الخطير في مجال الحريات والحقوق الأساسية، الذي جاءت تقارير منظمة العفو الدولية، والفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، ومنظمة هيومن رايتس ووتش، والشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان، وتقارير الهيئات الوطنية من منظمات وائتلافات غير حكومية لحقوق الإنسان، لتؤكد من خلال رصد مظاهره على طبيعة السلوك القمعي الذي تنتهجه الدولة المغربية في التعاطي مع الحقوق المتعلقة بحرية التعبير والصحافة والتجمع والتنظيم والتظاهر السلمي، واستعمال الفضاءات العمومية والخاصة لتنظيم أنشطة حقوقية أو نقابية أو سياسية، في خرق سافر للقانون المغربي، وللقانون الدولي لحقوق الإنسان؛ هذا بالإضافة للتقرير الذي تقدم به رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان كمؤسسة رسمية أمام البرلمان، الذي وقف فيه على العديد من الانتهاكات، وأساسا منها إفراط القوات العمومية في استعمال القوة اتجاه المتظاهرين التي أدت إلى حالتي وفاة، وما إلى غيرها من الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان؛ وهو ما يشكل إجهازا على المكاسب الجزئية، التي راكمتها الحركة الحقوقية والديمقراطية المغربية على امتداد العقود الماضية، يضع الدولة في تناقض أمام التزاماتها الدولية، بموجب الاتفاقيات والبرتوكولات المصادق عليها، وبمقتضى شغل المغرب لعضوية مجلس حقوق الإنسان بجنيف.

وفي هذا السياق فقد سجلت الجمعية ما يلي:

 

3/ على مستوى الوضع الاتفاقي:

ــ إيجابية وضع أوراق التصديق لدى منظمة الأمم المتحدة المتعلقة بالبروتوكول الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب، ودعوتها إلى إحداث الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب، التي يجب أن تعرف النور في مدة لا تتجاوز السنة؛ وهي الآلية التي يحاول المجلس الوطني لحقوق الإنسان تخويل نفسه احتكار حق الإشراف عليها، الشيء الذي سيؤثر على ضمانات استقلاليتها وفعاليتها، كما يؤكد عدد كبير من المنظمات غير الحكومية لحقوق الإنسان على ذلك.

ــ تأكيد الجمعية على أن الدولة المغربية أصبحت ملزمة، أكثر من أي وقت مضى، بالتصديق على كافة الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، ورفع كافة التحفظات والاعلانات، التي لازالت تبديها بخصوص البعض منها، مع مطالبتها بالإسراع ب:

-       التصديق على البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والمتعلق بإلغاء عقوبة الإعدام، معربة عن أسفها على امتناع الدولة المغربية عن التصويت للمرة الخامسة، يوم 21 نونبر 2014، على القرار الأممي المتعلق بوقف تنفيذ عقوبة الإعدام، في تعارض مع أحكام الواقع، حيث أن المغرب لم ينفذ عقوبة الإعدام منذ 21 سنة.

-       التصديق على قانون روما المتعلق بالمحكمة الجنائية الدولية.

-       المصادقة على عدد من اتفاقيات منظمة العمل الدولية، وفي مقدمتها الاتفاقية 87 حول الحرية النقابية، وعلى البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

-       نشر العديد من الاتفاقيات في الجريدة الرسمية، والعمل من أجل ملاءمة القوانين الوطنية مع مقتضياتها.

4/ على المستوى التشريعي:

لازالت الجمعية تعتبر أن القوانين المغربية في مجملها لا تستجيب لمتطلبات الملاءمة، التي تؤكد عليها كل الاتفاقيات والعهود الدولية المصادق عليها من طرف بلادنا، وعلى رأسها الدستور المغربي، الذي توجب عند أي صياغة جديدة له ليغدو دستورا ديمقراطيا، أن تكون صلاحية وضعه موكولة لهيئة ممثلة فيها مختلف القوى الحية، وأن تتم المصادقة عليه عبر استفتاء ديمقراطي حر ونزيه، وأن يكون مضمونه ديمقراطيا يؤكد بالأساس على السيادة للشعب أولا وأخيرا، وأن الشعب هو المصدر الوحيد لكل السلطات؛ كما يقر بشكل واضح بكونية وشمولية حقوق الإنسان، وفي مقدمتها المساواة بين النساء والرجال في جميع الحقوق، وبالفصل بين السلط الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، وبين الدين والدولة، وينص على كافة الحقوق والحريات الفردية والعامة بما فيها حرية العقيدة، وعلى اللغة الأمازيغية كلغة رسمية إلى جانب اللغة العربية، دون تأجيل أو مفاضلة.

والجمعية المغربية لحقوق الإنسان، إذ تؤكد على أن مطلب الدستور الديمقراطي يعتبر أن التعديل الدستوري، لفاتح يوليوز 2011، ظل يحافظ على الجوهر الاستبدادي للدستور، رغم تنصيصه على عدد من الحقوق والحريات واعترافه بالهوية الأمازيغية لأول مرة، تسجل أن مجمل التعديلات، التي هي قيد التحضير، وتشمل القانون الجنائي والمسطرة الجنائية وقانون العدل العسكري والمسطرة المدنية وغيرها، تبقي في غالبيتها قاصرة عن الاستجابة لتطلعات ومطالب المكونات المجتمعية المطالبة بالإصلاح.

5/ وبخصوص الملف المتعلق بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المرتبط بالقمع السياسي؛ فعلى الرغم من انقضاء ما يقارب تسع سنوات على انتهاء هيئة الإنصاف والمصالحة من أشغالها، وتقديمها التقرير الختامي لعملها للملك في 6 يناير 2006، الذي صادق عليه، وتوصيتها للمجلس الاستشاري حينها- المجلس الوطني لحقوق الإنسان حاليا- والقطاعات الحكومية المعنية، بالعمل على وضع التوصيات المتضمنة فيه موضع التنفيذ، فإن الجمعية تسجل:

ــ عدم الكشف عن مصير كافة المختطفين مجهولي المصير، وخصوصا الذين أبقت هيئة الإنصاف والمصالحة البحث مفتوحا بشأنهم؛

ــ عدم تحديد هوية المتوفين وتسليم رفاتهم إلى عائلاتهم؛

ــ التماطل في استكمال جبر الأضرار الفردية لعدد من الضحايا وذوي الحقوق، وهو ما يفسر الاعتصامات والإضرابات عن الطعام التي تنظم أمام المجلس الوطني لحقوق الإنسان على مدار السنة؛

ــ التلكؤ في وضع العديد من التوصيات موضع التنفيذ، وأساسا منها التوصيات المتعلقة بحفظ الذاكرة، والاعتذار الرسمي والعلني للدولة، وجبر الأضرار الجماعية للمناطق التي كانت أكثر عرضة للانتهاكات خلال العقود الماضية، والقيام بالإصلاحات الدستورية والمؤسساتية والقانونية والتشريعية والإدارية والتربوية، ووضع الاستراتيجية الوطنية لمناهضة الإفلات من العقاب موضع التنفيذ حتى لا يتكرر ما جرى.

وبارتباط مع ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وجب التشديد على تكرار هذه الانتهاكات، من خلال استمرار الاعتقال السياسي والمحاكمات غير العادلة، والإجهاز على عدد من الحقوق المرتبطة بالحق في التجمع والتظاهر السلمي والتنظيم، والحق في حرية الرأي والتعبير والصحافة، وكمثال صارخ، في هذا الإطار، تجب الإشارة إلى استمرار الاعتقال التعسفي، الذي طالب فريق الأمم المتحدة المشتغل عليه السلطات المغربية بإطلاق السراح الفوري لخمسة معتقلين سياسيين وجبر أضرارهم، إلا أنه ولحد الآن لم تستجب السلطات المغربية لهذا الطلب.

6/ وفي ما يهم ملف الانتهاكات المرتبطة بمناهضة الإرهاب؛ فإن الجمعية إذ تؤكد مجددا على موقفها المبدئي المدين لكل أشكال الإرهاب المستهدف لأرواح وسلامة المواطنين والمواطنات، والمساس بالحق في الحياة والحق في السلامة البدنية والأمان الشخصي وبالممتلكات العامة والخاصة، فإنها ترى أن الحد من مظاهر الإرهاب يجب أن يبنى على مقاربة شاملة لا تقف فقط عند المقاربة الأمنية الصرفة، بل يجب أن تذهب إلى الأسباب العميقة لتصاعد المد الإرهابي على المستوى الإقليمي والدولي، والذي تعود أسبابه الرئيسية إلى انتهاك حقوق الشعوب في تقرير مصيرها السياسي والاقتصادي والثقافي، واستحكام القوى الإمبريالية والصهيونية وقوى الاستبداد في المنطقة المغاربية والشرق الأوسطية، التي تديم التوزيع غير العادل للثروات التي تزخر بها المنطقة، وتعمق انتهاك الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية؛ وهو ما يستدعي من الدولة المغربية أمرين أساسيين، هما:

ــ التقيد الشديد من طرف جميع الأجهزة الأمنية والاستخباراتية والقضائية باحترام تطبيق القانون في مواجهة الإرهاب.

ــ العمل المستمر لمختلف القطاعات الحكومية المعنية على نشر وتعميم ثقافة حقوق الإنسان، المبنية على التسامح ونبذ العنف، وتشييد أسس دولة المواطنة الحقة، التي يتمتع فيها المواطنون والمواطنات بكافة حقوقهم وحرياتهم.

وقد سجلت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان خلال متابعتها لأوضاع معتقلي ما يسمى بالسلفية الجهادية بمختلف السجون المغربية، ما يتعرضون له من تعذيب ومعاملات قاسية ولا إنسانية ومهينة وحاطة من الكرامة، ومن إجهاز على المكتسبات التي راكموها على امتداد سنوات الاعتقال الطويلة؛ لذلك كاتبت الجمعية المندوب العام لإدارة السجون ووزير العدل والحريات، قصد تدخلهما من أجل احترام حقوق السجناء والسجينات المنصوص على ضرورة احترامها في القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء، والقانون المنظم للسجون 23/98؛ ولكنها لم تتلق أي رد ولم يبلغها أي معطيات تفيد وقف التعديات التي تتعرض لها هذه الفئة من السجناء. ونظرا للاعتبارات السابقة، وللملابسات التي أحاطت بتوقيفهم واعتقالهم، وعدم تمتعهم بشروط وضمانات الحق في المحاكمة العادلة، ظلت الجمعية تطالب بإطلاق سراحهم أو إعادة محاكمتهم، لقناعتها بأن الجزء الأكبر منهم هم ضحايا اعتقالات تعسفية ومحاكمات غير عادلة.

كما أعربت الجمعية عن قلقها الشديد لاستمرار التنسيق المخابراتي المغربي الأمريكي بخصوص ملف مكافحة الإرهاب، الذي يعرف انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، أبرزها ما ارتبط بمعتقلي معتقل غوانتنامو، الذين لازال بعضهم قابعا به دون محاكمة أو دون حتى توجيه أي تهمة، والذين نقل البعض منهم إلى مركز تمارة، لاستجوابهم من طرف السلطات المغربية؛ كما أن أفرادا من الأجهزة الأمريكية لازالوا يتنقلون إلى بلادنا حتى اليوم  للمشاركة في استنطاق عدد من العائدين من بؤر النزاع بمالي وسوريا والعراق وغيرها.

7/ وفي ما يتصل بالانتهاكات المرتبطة بالنزاع حول الصحراء؛ فإن الجمعية تجدد موقفها المعبر عنه من طرف مؤتمراتها، والمتجسد في المطالبة بالحل الديمقراطي والسلمي للنزاع ومناهضة الحرب، وبالتعاطي الحقوقي مع كافة الانتهاكات الجسيمة المرتبطة بهذا الملف أيا كان مصدرها، بما يخدم الوحدة المغاربية لشعوب المنطقة، ومن أجل السلم والديمقراطية والتنمية المستدامة.

وعرفت سنة 2014 بدورها استمرار انتهاكات حقوق الإنسان بهذه المنطقة، سواء من طرف السلطات المغربية، والتي تجسدت في استمرار اعتقال النشطاء الحقوقيين وإخضاعهم للتعذيب، وتقديمهم لمحاكمات تنتفي فيها شروط وضمانات الحق في المحاكمة العادلة، وفي التضييق والحظر الذي تواجهه عدد من الجمعيات في الحصول على وصولات التأسيس، وفي ما يتعرض له الحق في التظاهر السلمي من تضييق ومنع مستمرين؛ أو من طرف البوليساريو بمخيمات تندوف، والتي نقلتها عدد من وسائل الإعلام، والتقرير الذي أنجزته منظمة هيومن رايتس ووتش، مع تسجيل استمرار رفض السلطات الجزائرية السماح لمنظمة العفو الدولية بزيارة هذه المخيمات قصد التحقيق والتقصي في أوضاع حقوق الإنسان بها.

8/ أما فيما يتعلق بالحق في الحياة؛ فإن الوفيات الناتجة عن التعذيب أو الإهمال بمراكز الاعتقال المختلفة، سواء منها مقرات الشرطة القضائية أو أجهزة أمنية أخرى، أو السجون أو المستشفيات، أو تلك المتعلقة بالمهاجرين الأفارقة جنوب الصحراء، تؤكد استمرار انتهاك هذا الحق من طرف السلطات المغربية.

وإذا كانت الجمعية تطالب السلطات المختصة بفتح تحقيق في موضوع الوفيات هاته قصد تحديد المسؤوليات وترتيب الجزاءات، حتى لا يظل مرتكبوها بعيدين عن المساءلة وإعمال العدالة، فإن الجمعية تستنكر عدم تحمل السلطات لمسؤولياتها في الكشف عن حقيقة الوفيات، التي ذهب ضحيتها نشطاء من حركة 20 فبراير، ومعتقلون في إطار ملف ما يسمى بالسلفية الجهادية، وأحد نشطاء الاتحاد الوطني لطلبة المغرب بعد إضراب لا محدود عن الطعام دام أكثر من شهرين.

9/ أما بخصوص الحق في السلامة البدنية والأمان الشخصي والشطط في استعمال السلطة أو ما يمكننا أن ندرجه في حكم التعذيب والمعاملات القاسية واللاإنسانية والمهينة أو الحاطة من الكرامة؛ فإن تقارير المنظمات الدولية وأساسا منها منظمة العفو الدولية، وهيومن رايتس ووتش، والفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان والشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان، تجمع كلها على استمرار هذه الممارسات البغيضة بشكل واسع؛ كما أن تقارير وبيانات المنظمات غير الحكومية المغربية، وما تنشره الصحف والمواقع الإلكترونية يؤكد، بما لا يدع مجالا للشك، استمرار شيوع ذلك؛ وهو ما يمكن الاستدلال عليه بمثال القائد بإقليم بن سليمان الذي يعزى إليه سبب انتحار شاب في مقتبل العمر، وبحالة الطلبة نشطاء الاتحاد الوطني لطلبة المغرب بالقنيطرة الذين رفض وكيل الملك إجراء خبرة طبية عليهم بعد تصريحهم بالتعرض للتعذيب، الذي كانت أثاره بادية على أجسادهم لحظة عرضهم عليه؛ وهي الفضيحة التي دفعت وزير العدل والحريات إلى تعريض وكيل الملك للمساءلة، فيما ظلت القاضية التي ترأست محاكمة هؤلاء الطلبة متمادية في خرق القانون، رافضة عرض الطلبة على الخبرة الطبية!!؛ هذا بالإضافة إلى تدخل القوات العمومية لفض التظاهرات الاحتجاجية السلمية لعدد من الفئات، الذي يتسم بالإفراط في استعمال القوة، والذي غالبا ما يخلف ضحايا لا ينصفهم القضاء إذا ما اشتكوا إليه، وهو ما يبقي المسؤولين عن هذه التجاوزات خارج المساءلة والمتابعة القضائية ويديم سياسة الإفلات من العقاب ببلادنا.

ومن المؤكد أن إخراج الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب المستقلة عن كل تأثير من أي جهة كانت، بما فيها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، سيكون له الأثر الإيجابي في الحد من تعرض المواطنات والمواطنين للتعذيب والمعاملات القاسية و اللاإنسانية  والمهينة والحاطة من الكرامة.

10/ وبالنسبة لملف الاعتقال السياسي؛ فإن استمرار الاعتقالات والمتابعات التي تمس المدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان ونشطاء حركة 20 فبراير، ومناضلات ومناضلي الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، ومعتقلي ما يسمى بالسلفية الجهادية، والنشيطات والنشطاء الصحراويين، والمواطنات والمواطنين المشاركين في احتجاجات سلمية بشأن عدد من القضايا الاجتماعية المتعلقة بالأسعار والماء والكهرباء، والأراضي السلالية، والحق في الشغل، والذين أصبحت السلطة تبدع في فبركة متابعتهم بتلفيق تهم الحق العام لهم، يبقى هذا الملف مفتوحا.

وقد كانت الحركة الحقوقية المغربية، ومعها الرأي العام، تأمل أن تشكل  محطة عقد المنتدى العالمي لحقوق الإنسان بالمغرب فرصة للدولة المغربية لتقوم بطي هذا الملف بإطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين، إلا أنها أخلفت موعدها مع التاريخ، وكان ذلك، من بين أسباب أخرى، وراء مقاطعة عدد من الهيآت الحقوقية لهذا المنتدى.

ومن الواجب التذكير بأن السلطات المعنية تمعن في إبقاء معاناة الذين يتم الإفراج عنهم بعد إتمامهم العقوبة، بعدم تسوية أوضاعهم المهنية أو الإدارية أو الدراسية، أو بتوفير الشروط لإعادة إدماجهم؛ وهو ما يدفع العديد منهم للارتماء في أحضان التطرف، والتوجه إلى مناطق النزاع.

11/ أما ملف الاختطاف، فإنه إذا كانت الدولة المغربية قد أعلنت عن مصادقتها على اتفاقية حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، فإنها ولحد الآن لازالت لا تحترم التزاماتها الناتجة عن ذلك، ويظهر ذلك من خلال واقعتي اختطاف أسامة حسن بالبيضاء ووفاء شرف بطنجة، اللذين توبعا بالوشاية الكاذبة بعدما صرحا بتعرضهما للاختطاف والتعذيب، وهو ما يشكل خرقا سافرا لمقتضيات البروتوكول الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب وبروتوكول اسطنبول.

12/ وبخصوص الأوضاع بالسجون، فإن التقارير الرسمية سواء البرلمانية أو للمجلس الوطني لحقوق الإنسان تجمع كلها على أن أوضاعها مأساوية، سواء تعلق الأمر بالإقامة حيث الاكتظاظ الذي يحول السجن إلى جحيم لا يطاق وينتج عنه الشجار الدائم بين السجناء واعتداء بعضهم على البعض، وينعكس ذلك على كل مناحي العيش من حيث التغذية والنظافة والاستحمام والفسحة ومتابعة الدراسة والزيارة والتطبيب والعلاج؛ وهي الأوضاع التي تؤدي إلى انتشار الأمراض، والوفيات وما يترتب عن كل ذلك من تعرض السجناء للتعذيب والمعاملات القاسية واللاإنسانية والمهينة والحاطة من الكرامة، وتحول السجن إلى مشاتل لتفريخ العصابات الإجرامية خصوصا مع الترويج الواسع بداخلها للمخدرات وغيرها من الموبقات التي تساهم في تدمير عقول السجناء وأجسادهم. ورغم كل هذه الأوضاع، لا تعير القطاعات الحكومية المعنية بقطاع السجون أدنى اهتمام أو التفات لتوصيات المجلس الوطني لحقوق الإنسان واللجان البرلمانية، وللتوصيات التي تحملها تقارير المنظمات غير الحكومية وضمنها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان؛ مع غياب المراقبة القضائية للسجون، وعدم اضطلاع اللجان الإقليمية لمراقبة السجون بمهامها المتمثلة في الزيارات الدورية للمؤسسات السجنية.

كما تسجل الجمعية إقفال المندوبية العامة لإدارة السجون الحالية والسابقة الباب في وجهها ووجه عدد من الهيئات الحقوقية، لكل حوار يساهم في إيجاد حلول للمشاكل التي تنشأ بين الإدارة والسجناء،  وعدم تمكين البعض منها من القيام بزيارات للسجون للوقوف على حقيقة أوضاعها، وتقديم بعض الخدمات لفائدة السجناء والسجينات وموظفي وموظفات المندوبية العامة للسجون، بل إن المندوبية لا تكلف نفسها، أحيانا، مشقة الجواب على الشكايات التي نتوصل بها من طرف السجناء والسجينات.

لذلك فإن الدولة أصبحت مطالبة وباستعجال، أمام الأوضاع الكارثية التي تعرفها السجون المغربية، بالدعوة لمناظرة وطنية حول السبل الكفيلة بإيجاد الحلول للأوضاع المتردية بالسجون، مناظرة تشارك فيها كل الفعاليات المجتمعية المعنية بأوضاع السجون حكومية منها وغير حكومية.

13/ وبالنسبة للحق في التنظيم، فإن التقارير الدولية الأخيرة تؤكد جميعها على العودة الممنهجة للإجهاز على الحق في التنظيم، وهو ما يمكن تلمسه من خلال امتناع السلطات عن تسليم وصول الإيداع القانونية لفروع الجمعية بالسمارة والبرنوصي وفاس سايس، وخلال شهر نونبر 2014، لكل من فروع كلميم، ووزان، وخنيفرة واشتوكة آيت باها، وجمعية "الحرية الآن"، وعدد من جمعيات آباء وأولياء التلاميذ، لوجود أشخاص ضمنها أعضاء بجماعة العدل والإحسان، وعدد من فروع العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، وشبيبة النهج الديمقراطي، وجمعية الحقوق الرقمية؛ في حين أنها لم تتوقف ممارسة هذا النوع من التعسف في حق عدد من الهيئات منذ سنوات ونذكر من بينها على سبيل المثال لا الحصر: الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب، والاتحاد الوطني للمتصرفين المغاربة، وجمعية أطاك المغرب، ومجموعة من المكاتب النقابية والجمعيات المحلية.

يضاف إلى ذلك العودة للممارسات البائدة للتضييف على العاملين في مجال حقوق الإنسان، حيث تعرض مقر الجمعية الطبية لتأهيل ضحايا التعذيب مرتين للاقتحام، ونفس الأمر تكرر بالنسبة للجمعية المغربية لصحافة التحقيق وأطاك المغرب.

إن هذا الواقع المتعلق بالحق في التنظيم، الذي وقفت عليه بالدراسة والتحليل دراسة قامت بها الشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان، قد خلص إلى أن المسطرة المتبعة تتميز بالعبث البيروقراطي وبالتماطل والتسويف في تسليم وصولات الإيداع، وأن مضامين قانون الجمعيات وتعمد التأويل السلبي من طرف السلطات لها سيساهم في التضييق على الحق في التنظيم وتأسيس الجمعيات والنقابات والأحزاب.

14/ وبخصوص الحق في التجمع والتظاهر؛ فإن هذه السنة عرفت تصعيدا كبيرا، استهدف عددا من نساء ورجال التعليم أثناء تنظيمهم احتجاجات سلمية بمدينة الرباط، وما أعقب ذلك من متابعتهم ومحاكمتهم في محاكمة لا تتوفر فيها شروط وضمانات الحق في المحاكمة العادلة؛ وبدورهم تعرض المعطلون حاملو الشهادات، وعدد من تظاهرات حركة 20 فبراير واحتجاجات سلمية اجتماعية للمواطنين والمواطنات، بما فيها تلك التي تشهدها مدن الصحراء بين الفينة والأخرى، للمنع والتعنيف.

ولكن الهجوم الواسع على الحق في التجمع، خلال سنة 2014، جاء بوتيرة أسرع وأوسع، مباشرة بعد تصريح وير الداخلية بالبرلمان  يوم 15 يوليوز 2014؛ حيث تعرضت منظمة العفو الدولية – فرع المغرب، والعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، والجمعية المغربية لحقوق الإنسان، والرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان، وجمعية الحرية الآن، وجمعية الحقوق الرقمية، ومركز ابن رشد للأبحاث والدراسات، والجمعية المغربية للدفاع عن استقلال القضاة وغيرها من الجمعيات للمنع والتضييق، ووصلت قرارات المنع التي مست الجمعية المغربية لحقوق الإنسان على سبيل المثال إلى 51 منعا ما بين 15 يوليوز وأواخر شهر نونبر 2014.

إن هذا التصعيد الممنهج ضد الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أساسا كان وراء لجوء هذه الأخيرة إلى المحكمة الإدارية بالرباط، التي قضت بإلغاء قرار سلطات ولاية الرباط، سلا، زمور، زعير بمنع نشاط للجمعية بالمكتبة الوطنية بالرباط؛ كما قضت بتغريم الدولة المغربية بعشرة ملايين سنتيم نظرا للأضرار التي لحقت الجمعية.

فهل ستخضع السلطات إلى حكم القانون، وتوقف انتهاكها له، أم أنها ستتمادى في انتهاكاتها للحق والمشروعية؟ إنه أمر لم يثبت حتى الآن أي مؤشر يدل عليه.

15/ وفي ما يهم حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة، فإن الجمعية تسجل ما يلي:

ــ زج السلطات بالمبدعين في السجون لتكميم أفواههم التي تصدح بغناء يفضح أشكال الظلم والحكرة التي يعيشها المواطنات والمواطنون، كما هو الشأن بالنسبة لمغني الراب معاد بلغوات المدعو الحاقد، أو المغني عثمان عتيق الملقب بمستر كريزي، أو الرابور عبد المومن الشعيبي.

ــ متابعة الصحفيين بقصد إسكات أصواتهم كما هو الحال بالنسبة لعلي أنوزلا وتوفيق بوعشرين وحميد مهدوي ومصطفى الحسناوي القابع في سجن "الزاكي" بسلا، حتى بعد أن طالب الفريق المعني بالاعتقال التعسفي لدى الأمم المتحدة السلطات المغربية بإطلاق سراحه، وتعويضه عن الأضرار التي لحقته بهذا الاعتقال؛ هذا علاوة على متابعة عدد من الصحفيين المشتغلين بالصحافة الإلكترونية.

ــ التحريض، على صفحات بعض المنابر الصحفية الورقية والإلكترونية، على الكراهية والدعوة لتجريم المختلفين عقائديا.

ــ احتكار الدولة المغربية لوسائل الإعلام العمومية ولتوظيفها خدمة لسياستها البعيدة عن تطلعات المواطنين والمواطنات في إعلام مستقل يخدم المصلحة العامة، إعلام مواطن ينشر ويشيع ثقافة حقوق الإنسان وقيمها.

 وفي علاقة بما تتعرض له حرية الصحافة، فإن الجمعية ما انفكت تواصل نضالها، بمعية شركائها في الحركة الحقوقية المغربية، من أجل المراجعة الشاملة لقانون الصحافة، في اتجاه إلغاء جميع المقتضيات المعرقلة لحرية الرأي والتعبير، وإلغاء العقوبات السالبة للحرية، وجعل حد للغرامات والتعويضات الباهظة التي قد تؤدي إلى إقبار عدد من المقاولات الفتية.

16/ وفي ما يتصل بملف القضاء، فإنه وبالرغم من الخطاب الرسمي حول فتح ورش إصلاح منظومة العدالة بالمغرب، فإن واقع الحال يوضح أن ما جرى التوصل إليه بهذا الخصوص لازال لم يتم وضعه موضوع التنفيذ، نظرا للمعيقات الهيكلية الدستورية والقانونية، التي تضع قيودا على مختلف مكونات الجسم القضائي من قضاة ووكلاء الملك وكتاب الضبط ومحامين وخبراء وأعوان قضائيين وغيرهم، ويمكن الوقوف على ذلك من خلال:

ــ الخلاف الذي لازال موجودا بين وزارة العدل وجمعيات القضاة، سواء الودادية الحسنية للقضاة أو نادي قضاة المغرب، حول القانونين المتعلقين بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، والنظام الأساسي للقضاة؛ وهو الخلاف الذي قاد إلى توترات بين السلطة التنفيذية وجمعيات القضاة التي اتخذت أشكال احتجاج مختلفة تعرض البعض منها للمنع من طرف السلطات العمومية.

ــ الخلاف الذي لازال مستمرا بين جمعية هيئات المحامين بالمغرب ووزارة العدل والحريات حول التعديلات التي مست منظومة العدالة وأساسا منها قطاع المحاماة،  والمتعلق بالقانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية ومسطرة المساعدة القضائية والقانون المنظم لمهنة المحاماة وغيرها.

ــ الخلاف الذي لازال مستمرا مع النقابة الديمقراطية للعدل والنقابة الديمقراطية للعدول وغيرهما من مكونات الجسم القضائي، والمتعلقة بدفاترهم المطلبية، التي يبقى أي إصلاح في غيابها لا معنى له.

ــ القرارات التأديبية التي مست عددا من القضاة، بسبب تعبيرهم عن آرائهم في عدد من القضايا المرتبطة بظروف عملهم وبإصلاح منظومة العدالة، ونذكر من بينهم على سبيل المثال لا الحصر الأساتذة محمد عنبر ومحمد الهيني و رشيد العبدلاوي وغيرهم.

ــ استمرار القضاء في تبييض الانتهاكات التي تتعرض لها الحقوق والحريات، من خلال الأحكام غير العادلة التي يصدرها في القضايا المتصلة بملفات ما يسمى بمعتقلي السلفية الجهادية، ونشطاء ونشيطات الحركة الطلابية وحركة 20 فبراير والنشطاء والنشيطات الصحراويين، والمدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان، وضمنهم مناضلات ومناضلي الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى ملفات ضحايا الحركات الاحتجاجية الاجتماعية للمواطنين والمواطنات بعدد من المدن والقرى.

وتجدر الإشارة إلى أن ما سبق التعرض له، يندرج ضمن وضع قضائي تنعدم فيه مساواة المواطنات والمواطنين أمام القضاء، جراء استغلال النفوذ وغياب الاستقلالية، وعجزه عن النهوض بدوره في حماية الحقوق والحريات عبر وضع حد لسياسة الإفلات من العقاب في قضايا نهب المال العام وتغول الدولة، بتجميده الشكايات ضدها وضد ذوي النفوذ، ممن يحتقرون القرارات والأحكام القضائية عندما يرفضون الامتثال لحكم القضاء، ويشمل ذلك عددا من القضايا وأساسا منها نزاعات الشغل، وملفات محاكم الأسرة؛ الأمر الذي يوضح استمرار المشاكل العميقة للقضاء المغربي، ويعيق ويعرقل بناء وتشييد الأسس القوية لدولة الحق والقانون ومجتمع المواطنة بكافة الحقوق.

17/ وفي ما يتعلق بعقوبة الإعدام؛ فإن المغرب لازال يصر على التخلف عن الانخراط في الدينامية العالمية حول إلغاء عقوبة الإعدام، إذ لازالت المحاكم المغربية تصدر أحكاما بالإعدام، حتى وإن كانت الدولة لم تنفذ عقوبة الإعدام منذ 1993، حيث يفوق عدد المحكومين بالإعدام مائة شخص؛ فيما عرفت سنة 2014 إصدار أحكام جديدة بالإعدام، وامتناع المغرب للمرة الخامسة عن التصويت، يوم 21 نونبر 2014، باللجنة الثالثة للأمم المتحدة على القرار المتعلق بوقف تنفيذ عقوبة الإعدام، تماشيا، على الأقل، مع ما هو قائم بحكم الواقع.

18/ وبخصوص أوضاع المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان؛ تسجل الجمعية الاستهداف الواضح لهم من طرف مختلف الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، والذي اتخذ طابعا ممنهجا منذ التصريح الذي أدلى به وزير الداخلية بالبرلمان المغربي يوم 15 يوليوز 2014 والذي اتهم فيه الحركة الحقوقية المغربية بتلقي تمويلات أجنبية وخدمة أجندتها، والتشويش على عمل القوات الأمنية في مكافحتها للإرهاب، وقد تجسد ذلك فيما يلي:

ــ المنع الذي تعرضت له وتتعرض له الجمعية في تنظيم أنشطتها وتجديد مكاتبها الفرعية، والتي تجاوزت الخمسين نشاطا.

ــ المنع الذي تعرضت له عدد من الهيئات الحقوقية من إقامة أنشطتها نخص بالذكر منها: منظمة العفو الدولية فرع المغرب، العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان، الجمعية المغربية لصحافة التحقيق، مركز ابن رشد للأبحاث والدراسات، جمعية الحرية الآن.

الحملة الإعلامية التي تشنها عدد من الجرائد والمواقع الإلكترونية ــ المسخرة من طرف الأجهزة الاستخباراتية المغربية والتي تستهدف أطر ومناضلي الحركة الحقوقية المغربية والتي تخرق فيها هذه الوسائل كل أخلاقيات مهنة الصحافة.

ــ المتابعات والمحاكمات التي يتعرض لها المدافعات والمدافعون عن حقوق، والزج بهم في السجون بملفات مفبركة من ألفها إلى يائها، في خرق سافر للإعلان العالمي لحماية المدافعين عن حقوق الإنسان.

19/ أما في مجال حقوق المرأة؛ فقد سجلت الجمعية:

ــ ضعف المؤشرات في مجال إعمال مبدأ المساواة بين الجنسين في كل المجالات، فعدد من التحفظات بشأن اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة لا زالت قائمة، فيما تمت إعادة صياغة بعضها في شكل اعلانات تحافظ من حيث الجوهر على روح تلك التحفظات.

ــ تجميد مجموعة من المشاريع المدرجة في البرنامج الحكومي، وفي الأجندة الحكومية للمساواة تحديدا، من مثل مشروع القانون التنظيمي لهيئة المناصفة ومكافحة التمييز، ومشروع قانون محاربة العنف ضد المرأة، وكذلك مشروع قانون منظم لعمال وعاملات المنازل.

ــ الطابع الموبوء بالتمييز لمدونة الأسرة، على مستوى المرجعية ومنطوق النصوص، وخاصة في القضايا الجوهرية، مثل تعدد الزوجات ومساطر الطلاق والولاية الشرعية، وضعف تطبيق مقتضياتها الإيجابية ــ رغم أنها لا ترقى لمستوى المعايير الكونية في مجال حقوق النساء داخل الأسرة ــ نظرا لبعض مضامينها نفسها غير القابلة للتطبيق، وللعراقيل المتعددة في هذا المجال المتمثلة أساسا في طبيعة قضاء الأسرة المتسم بالعقلية المحافظة إلى جانب العاهات الأخرى التي تطبع القضاء المغربي؛ وهو ما أدى إلى المساهمة في انتهاك حقوق النساء داخل الأسرة، وأبرزها العدد الكبير من حالات زواج القاصرات، التي بدأت تطفو على السطح نتائجها الكارثية المتجسدة في تفاقم حالات العنف الزوجي بكل أشكاله ومخاطره على حياة الطفلات الضحايا.

ــ أن ظاهرة العنف ضد المرأة ما تزال تعم المجتمع المغربي، وأن التحرش الجنسي الذي يشكل انتهاكا صارخا لحقوق المرأة وتهديدا للمساواة في الفرص بين الجنسين وإهانة وتبخيسا لكرامة المرأة مازال مستشريا، في ظل تساهل القضاء مع جرائم العنف اتجاه النساء، وتماطل الدولة في إخراج قانون  لحماية النساء من العنف و يضع حدا للإفلات من العقاب، خاصة وأن القانون الجنائي لا زال يحمل بنودا مكرسة للتمييز وماسة بالكرامة الإنسانية للمرأة، فضلا عن أنه لا يوفر آليات حمائية للمرأة من العنف بكل أشكاله. لذلك شكل مطلب تغيير جذري وشامل للتشريع الجنائي، أحد المطالب الأساسية إلى جانب القيام بمراجعة شاملة وجذرية "لمشروع قانون مكافحة العنف ضد المرأة"، في مجال مناهضة العنف ضد المرأة، والذي يجب أن يتم بالتنسيق مع كل الجهات المعنية، وبإشراك الحركة الحقوقية والنسائية في بلورة مضامينه ومراسيم تطبيقه.

ــ ضعف أداء الدولة بشأن الإجراءات التربوية والتثقيفية وبرامج التربية على المساواة، سواء في مجال المقررات المدرسية أو على مستوى الإعلام، الكفيلة بتغيير الأدوار النمطية لكل من الجنسين داخل المجتمع، كما تنص على ذلك الاتفاقية الدولية لمناهضة كل أشكال التمييز ضد المرأة.

ــ الانعكاس الشديد لآثار التدهور الذي تعرفه الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على النساء، معمقة حالات الفقر وسطهن ومسرعة من وتيرتها بينهن؛ في حين لازالت أوضاع العاملات في البيوت، لا تحظى بأي تغطية قانونية، وأوضاع العاملات الزراعيات عرضة لكل أشكال الاستغلال.

ــ تصنيف تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي لـ "مؤشر الفجوة بين الجنسين " لسنة 2014، المغرب في المركز 133 عالميا، من أصل 142 دولة التي شملها التقرير، مسجلا تراجعا بخمس نقط عن سنة 2013، إلى جانب مؤشرات أخرى، الأمر الذي يؤكد تردي الوضع الحقوقي للنساء بالمغرب.

20/ وبخصوص وضعية حقوق الطفل، فإن أهم ما ميزها هو عدم التزام الدولة المغربية بتعهداتها في مجال حقوق الطفل، وعدم الأخذ بالمصالح الفضلى للطفل في رسم السياسات العمومية، وتغييب المجتمع المدني في صياغة الخطط والبرامج للنهوض بأوضاع الطفولة؛ هذا إلى جانب انفجار انتهاكات خطيرة مست الحق في الحياة والتسمية والتعليم والصحة؛ بالإضافة إلى التعذيب وسوء المعاملة والاعتداءات الجنسية، والتزايد المقلق لجرائم الاغتصاب وتساهل القضاء عموما مع المتورطين فيها؛ كما أن هناك مؤشرات تبين أن الاستغلال الجنسي للأطفال يتفاقم  في إطار ما يسمى بالسياحة الجنسية، حيث تنشط الشبكات الإجرامية المتاجرة في الأطفال؛ فضلا عن استغلالهم الاقتصادي في الحقول والمعامل والصناعة التقليدية وكخادمات في البيوت، بالرغم من الرفع للحد الأدنى لسن تشغيل الأطفال إلى 15 سنة في مدونة الشغل.

ومن جهة أخرى، لازال الأطفال يعانون من العنف في مختلف الفضاءات الخاصة منها والعامة، ومن آفة الهدر المدرسي وإفلاس المدرسة العمومية؛ فيما تتزايد أعداد أطفال الشوارع والأطفال الموجودين في نزاع مع القانون، وتتفاقم هجرة القاصرين غير المرافقين.

21/ حقوق المهاجرين وطالبي اللجوء: رغم إعلان المغرب عن "سياسة جديدة" في مجال الهجرة تعتمد المقاربة الإنسانية وإصدار اللجنة الأممية المعنية بالاتفاقية حول احترام حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم، وإطلاق مسلسل التسوية الإدارية للمهاجرين في وضعية غير نظامية إلا أن الجمعية ما فتئت تسجل استمرار معاناة المهاجرين ببلادنا، خاصة مع تزايد وتيرة الكراهية والعنصرية اتجاههم، والانتهاكات الخطيرة لحقوقهم؛ حيث عرفت هذه السنة مقتل العديد منهم، بسبب التدخلات العنيفة للسلطات أو جراء الجرائم العنصرية؛ وإن توقفت الترحيلات  اتجاه الحدود الجزائرية إلا أن السلطات تعمد إلى ترحيل المهاجرين الأفارقة جنوب الصحراء من منطقة إلى أخرى وإلى بلدانهم الأصلية دون احترام أبسط الحقوق التي تكفلها لهم المواثيق الدولية وحتى القوانين الوطنية رغم عدم ملاءمتها للاتفاقيات ذات الصلة، حيث يتعرضون للاعتداء عليهم والاحتجاز في ظروف لا إنسانية، وتنامي مظاهر العنصرية ضدهم، والحرمان من الحقوق الأساسية مثل الحق في الصحة، والحق في الماء والتغذية، والسكن والتعليم والشغل...كما عرفت السنة قيام الدولة ببناء جدار على الحدود مع الجزائر وآخر على مشارف مليلية المحتلة.

أما بالنسبة لعملية التسوية الاستثنائية، التي ستنتهي بنهاية هذا الشهر، فعدد المهاجرين الذين استفادوا من بطائق الإقامة لا زال بعيدا عن الأرقام التي تم الترويج لها في البداية وسط تخوف المهاجرين – سواء الذين تم رفض طلباتهم أو أولئك الذين لم يضعوا أصلا طلباتهم - من الترحيل. فيما يظل  العدد الضئيل  ممن يتوفرون منهم على بطائق اللجوء  محرومين من حقوقهم في الحماية والعيش الكريم.

وبشكل عام لم تتجاوب الدولة مع التوصيات الصادرة عن الأمم المتحدة في سنة 2013، سواء على المستوى التشريعي حيث لا زال القانون 03 -02، هو المؤطر لدخول وإقامة الأجانب بالمغرب والذي يتميز بطابعه الأمني وتعارضه مع المواثيق الدولية، أو على مستوى الواقع الذي تتم فيه تغييب  المقاربة الحقوقية في معالجة ملف الهجرة.

ويتعرض المهاجرون من أصل مغربي ــ بالبلدان الغربية خاصة ــ لأوضاع تزداد ترديا نتيجة العطالة والعنصرية، وتعمقت هذه الأوضاع بسبب انعكاسات الأزمة الاقتصادية على أوضاع المهاجرين بشكل عام من ضمنهم المغاربيين، إضافة إلى التراجعات المتتالية في سياسة الهجرة بدول أوروبا. كما أن دول الاتحاد الأوروبي لم تصادق على الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد عائلاتهم؛ في حين لا زالت الهجرة غير النظامية للمغاربة نحو الخارج تؤدي إلى مآسي حقيقية.

22/ وبشأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية: تسجل الجمعية استمرار وتعمق الانتهاكات في هذا المجال، نتيجة النظام الاقتصادي السائد، وضخامة خدمات المديونية الخارجية، وانعكاسات السياسة الليبرالية المتوحشة – خاصة بالنسبة لميزانية الدولة التي أصبحت متعارضة مع التنمية والتشغيل – إلى جانب الخوصصة ومجمل الإجراءات المالية والاقتصادية المفروضة من طرف البنك العالمي وصندوق النقد الدولي، والانخراط الكامل للمغرب في العولمة من موقع الضعف، والنهب السافر للمال العام والثروات الوطنية مع استمرار الإفلات من العقاب بشأن الجرائم الاقتصادية. وسجلت هذه السنة استفحال ظاهرة الرشوة وضعف الآلية الوطنية للوقاية من الرشوة وعدم ملاءمتها مع ما تنص عليه الاتفاقية الدولية لمحاربة الفساد مما جعل رتبة المغرب في سلم الشفافية العالمية متدنية، في ظل عجز الحكومة على مواجهة الفساد، ومضيها في تنفيذ البرامج والسياسات المملاة من الدوائر المالية الإمبريالية بالرفع من أسعار المواد والخدمات الأساسية، وإلغاء صندوق المقاصة، والإجهاز على مكتسبات الشعب المغربي باللجوء إلى إجراءات لمعالجة أزمة صندوق التقاعد، تحمّل سوء التدبير لهذه الصناديق للمنخرطين؛ وذلك برفع سن الإحالة على التقاعد، ورفع نسبة الاقتطاع من الأجور لتمويل الصندوق، وتقليص قيمة المعاش، ورفع مدة إمكانية الإحالة على التقاعد النسبي؛.

ولم تؤد المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي انطلقت منذ أزيد من ثمان سنوات ونصف، إلى أي تحسن لرتبة المغرب في سلم التنمية البشرية الذي يعده برنامج الأمم المتحدة للتنمية، مما يوضح أن ملف التنمية البشرية بالمغرب لازال يراوح مكانه في غياب سياسة جديدة في مجال التنمية ترتكز على المقاربة الحقوقية وتنسجم مع المادة الأولى من العهد الدولي حول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تنص على حق الشعوب في تقرير مصيرها الاقتصادي والتحكم في ثرواتها. ومن جانب آخر لا بد من تقييم لنتائج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وافتحاص للمشاريع التي مولتها والوقوف على الاختلالات التي رافقتها ومساءلة المسؤولين عنها. 

-          بالنسبة للحق في الشغل، تسجل الجمعية استمرار الانتهاك الخطير لهذا الحق، والمتجسد في البطالة المكشوفة أو المقنعة لملايين المواطنين والمواطنات بمن فيهم مئات الآلاف من حاملي الشهادات العليا، والتعامل السلبي للسلطات مع مطلب الحق في الشغل ــ عبر ضعف الإجراءات الجادة لخلق فرص الشغل أو عبر قمع الاحتجاجات السلمية ــ وكذا تراجع الدولة والمجالس المنتخبة عن وعودها وعن الاتفاقات المبرمة مع المعنيين في العديد من الأحيان؛ فيما تابعت الجمعية خلال هذه السنة الاعتداءات المستمرة ضد احتجاجات الأطر العليا المعطلة وأعضاء الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين المطالبين بحقهم في الشغل، والذين تم اعتقال و محاكمة بعضهم.

-          وفيما يخص حقوق العمال والحقوق النقابية، فإن الجمعية تسجل استفحال الانتهاكات الخطيرة التي تطالها، ــ فرغم أن مدونة الشغل لا تترجم التزامات المغرب على المستوى الدولي في مجال الحقوق الشغلية بما تتضمنه من سلبيات جوهرية متعلقة بمرونة التشغيل ومرونة الأجور وتهميش دور النقابة على مستوى المقاولة، فإنها عرضة للخرق بشكل كبير ومستمر؛ وهذا ما يتجسد بالخصوص في إغلاق المعامل والتسريحات الجماعية التعسفية وعدم احترام الحد الأدنى للأجور ومدة العمل والضمان الاجتماعي ومختلف العطل في قطاعات وازنة مثل الفلاحة والنسيج والسياحة والبناء والأشغال العمومية والصناعات الغذائية، ناهيك عن القطاعات غير المنظمة؛ ويحصل كل هذا بعلم كافة السلطات، التي لا تقوم بالإجراءات اللازمة لردع المسؤولين عن انتهاك قوانين الشغل.

-          أما الحريات النقابية، فقد أصبحت عرضة للانتهاك أكثر على مستوى المقاولة مما أدى إلى ترهيب فئات واسعة من عمال القطاع الخاص وابتعادهم عن العمل النقابي، بينما لازالت الدولة تتملص من التصديق على الاتفاقية 87 للمنظمة الدولية للشغل. وقد عرفت هذه السنة سلسلة من انتهاكات الحقوق النقابية، من خلال إغلاق المعامل وطرد العمال والعاملات، بسبب الانتماء والنشاط النقابيين، وتحيز السلطة للمشغلين وتدخلها ضد العمال والعاملات، بتعنيفهم واعتقالهم ومحاكمتهم خلال النزاعات الشغلية، كما يتجلى ذلك بالخصوص في استمرار معاناة العمال الزراعيين في العديد من المناطق، خاصة مع تنامي التشغيل بالمناولة، وتملص أرباب العمل من المسؤولية اتجاه تطبيق قانون الشغل لفائدة عمالهم.

-          وبشأن الحق في الإضراب: لازالت السلطات والمشغلون يواصلون الإجهاز على هذا الحق، في القطاع الخاص أساسا، عبر استعمال الفصل 288 من القانون الجنائي لاعتقال ومحاكمة وإدانة المضربين والاقتطاع من الأجور.

ولم تعرف الحقوق الاجتماعية الأخرى، التي تؤثر بشكل أساسي على الحق في العيش الكريم، هي الأخرى تحسنا ملموسا:

-          الحق في التعليم: اعترفت الدولة على أعلى مستوياتها بفشل كل المخططات في المجال وبالأزمة الخطيرة لقطاع التعليم، رغم ما تطلبته تلك المخططات من ميزانيات ضخمة، مما يستوجب تحديد المسؤوليات في تبذير المال العام الذي تسببت فيه تلك المخططات، إعمالا لمبدا ربط المسؤولية بالمحاسبة؛  وفي هذا السياق تابعت الجمعية:

·           الظروف المزرية للقطاع التعليمي بالمغرب وما جاءت به التقارير الدولية، حيث دق البنك الدولي ناقوس الخطر بالنسبة لمستوى النظام التعليمي في المغرب، واصفا وضعيته بالكارثية والقاتمة في دراسة أنجزها حول التعليم في المغرب، تبين أن 76 في المائة من التلاميذ مستواهم ضعيف جدا، في ما يتعلق بـ"المواد العلمية" وبمستوى القراءة لتلاميذ التعليم الابتدائي، فيما 81 في المائة من الفتيات في العالم القروي لا يتابعن دراستهن الثانوية حسب تقرير لمنظمة اليونيسيف؛

·           فشل المغرب في تنفيذ التزامه بتحقيق الأهداف التي سطرتها البرامج الأممية للقضاء على الأمية. فنسبة 30% التي تعلن عنها مديرية محاربة الأمية، تتناقض ونتائج الدراسات والأبحاث الميدانية التي تعتبر أن نسبة الأمية أكبر من ذلك علما أن النسبة الرسمية في حد ذاتها إدانة للسياسة المتبعة في مجال التعليم ومحو الأمية...؛

·           النقص المهول في التجهيزات والمرافق والأطر وعجز الجامعة عن استيعاب كل طلبات التسجيل،  وتسييد المقاربة الأمنية في الإعداد للدخول الجامعي والمدرسي لهذه السنة والتهديد بضرب مجانية التعليم العالي، عوض اهتمام الحكومة بمعالجة الاختلالات في المجال التعليمي عبر مقاربة اجتماعية وحقوقية. 

-          الحق في الصحة: تسجل الجمعية إيجابية التقليص من أسعار العديد من الأدوية الذي أقرته الحكومة، لكن تسجل في المقابل تدهور الخدمات الصحية وتراجع الوصول للعلاج بالنسبة للمواطنين والمواطنات؛ وهو ما يتبين من خلال ما عرفته هذه السنة حالات متعددة لنساء وضعن في شروط مهينة ووفيات بسبب الإهمال وشروط العمل المتردية في المستشفيات، وانتشار أمراض خطيرة في العديد من المناطق، في ظل ضعف التمويل العمومي للصحة، وارتفاع نصيب النفقات الذاتية من جيوب الأسر المغربية، بما يعادل 58 في المائة من النفقات الإجمالية على الرعاية الصحية، وفشل وتعثر نظام المساعدة الطبية لذوي الدخل المحدود المعروف ب الراميد، إضافة إلى ضعف البنيات التحتية وقلتها مقارنة مع تزايد حاجيات المواطنين إلى العلاج، والعجز المهول في الموارد البشرية؛ ذلك أن الطبيب الواحد يغطي 1630 مواطنا، والممرض الواحد يغطي 1109 مواطن، وضعف الحكامة وسوء التدبير والتسيير للموارد المتوفرة.

-          الحق في السكن: تسجل الجمعية أن هناك محنة حقيقية لفئات واسعة من المواطنين في مجال السكن وتعرف عدد من المدن إجراءات هدم المساكن بشكل تعسفي ودون توفير البديل لضحايا هذه الإجراءات، كما تستمر المساكن في "المدن القديمة" في الانهيار في غياب العناية بها وإيجاد الحلول لقاطنيها. ولم تتمكن الدولة من الاستجابة لمتطلبات السكن للفئات ذوي الدخل المحدود والفئات المتوسطة رغم التسهيلات الضريبية والدعم الذي توفره للمنعشين العقاريين. حيث سجل السكن خلال سنة 2012 انخفاضا بلغ 10,1 في المائة مقارنة بسنة2011، في الوقت الذي ارتفع فيه عدد الأسر المقيمة في دور الصفيح بنسبة 29 في المائة مقارنة بسنة 2004.

-          الحق في البيئة السليمة: تسجل الجمعية التدهور الذي تعرفه البيئة والانتهاكات السافرة للحق في لبيئة السليمة ومن ضمنها نهب الثروات الطبيعية الذي يهدد التوازن البيئي في البلاد ككل. حيث يسجل المغرب تراجعا في ترتيب الفعالية في مجال البيئة.

-          الحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية: فقد عانت من تأخر أجرأة الاعتراف الدستوري بها وسحب مشروع القانون التنظيمي المتعلق بترسيمها بعد عرضه على لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب، واستمرار رفض الأسماء الأمازيغية، ومنع استخدام اللغة الأمازيغية داخل البرلمان، والتمييز الذي تعانيه القناة الأمازيغية مقارنة مع القنوات الأخرى، وتوقيف تدريس الأمازيغية بالعديد من المؤسسات، وجعلها غير إجبارية وغير معممة ولا تحتسب في الامتحانات، والارتجال في سياسة الدولة المتعلقة بإدماج اللغة الأمازيغية في مختلف مناحي الحياة العامة.

وبهذا الخصوص تطالب الجمعية بتطبيق الدولة لتوصيات اللجنة الأممية المعنية بالاتفاقية الدولية بشأن القضاء على الميز العنصري، الصادرة على إثر تقديم الحكومة المغربية لتقريريها الأخيرين حول تطبيق هذه الاتفاقية وتقديم الجمعيات المعنية لتقاريرها الموازية من ضمنها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وبشكل خاص إقرار الدستور للغة الأمازيغية كلغة رسمية إلى جانب اللغة العربية دون تراتبية بين اللغتين ودون تمييز أو تسويف.

23/ وبالنسبة لبعض القضايا الدولية ذات العلاقة بحقوق الإنسان، فإن الجمعية إذ تحيي بشكل خاص نضالات القوى الديمقراطية المغاربية ــ وفي مقدمتها مكونات الحركة الحقوقية المنضوية في التنسيقية المغاربية لمنظمات حقوق الإنسان ــ المناضلة من أجل إقرار حقوق الإنسان والديمقراطية في هذه المنطقة، تسجل:

-          تفاقم انتهاكات الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والمدنية والسياسية للشعوب، جراء تعميق واتساع  نظام الهيمنة الليبيرالية، والعدوان والحصار، مما يحرم الأمم و الشعوب من حقها في التمتع بخيراتها المادية وحقها في السيادة وتقرير المصير؛

-          قلقها البالغ مما تشهده المنطقة العربية وخاصة في كل من العراق وسوريا ولبنان من تصعيد للأعمال الإجرامية، من تقتيل وذبح واختطاف وسبي للنساء، والقتل على الهوية...، من طرف الجماعات المسلحة المدعومة من طرف قوى خليجية وإقليمية وقوى غربية، ضمن مشروع إعادة هيكلة الوضع في المنطقة، في انتهاك سافر لحق شعوب المنطقة في تقرير مصيرها؛

-          انشغالها بشأن التطور المأساوي للوضع في ليبيا، وما يعانيه الشعب البحريني  الذي يواصل ثورته السلمية من أجل حقه في تقرير المصير، من قمع وتنكيل ومصادرة للحريات، وما يتعرض له المحتجون السلميون في السعودية من اعتقال ومحاكمات، وما يواجهونه من أحكام بالإعدام (حالة المعارض السياسي نمر باقر النمر).

-          و بالنسبة لفلسطين تطالب الجمعية ب:

·           إنهاء الاحتلال والاستيطان واحترام حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال وإقامة دولته المستقلة على كامل ترابه الوطني وعاصمتها القدس وحق اللاجئين في العودة؛ كما تطالب بجعل حد للإفلات من العقاب لمجرمي الحرب الصهاينة.

·           إصدار قانون يجرم كل أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني، معبرة عن إدانتها لإمعان الدولة المغربية في سياستها المطبعة مع الكيان الصهيوني اقتصاديا وثقافيا وأكاديميا، وتعبر الجمعية عن دعمها لمبادرة مقاطعة البضائع ورفض الاستثمار وفرض العقوبات على إسرائيل   (BDS) بالمغرب و في العالم.

24/ وأخيرا، فإن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وهي تحيي اليوم العالمي لحقوق الإنسان تحت شعار " نضال وحدوي ومتواصل من أجل نصرة حقوق الإنسان"؛

-          توجه تحية عالية لحركة 20  فبراير ولشبابها وشاباتها بالخصوص على الدور الذي لعبته الحركة في تحريك مطالب حقوقية أساسية ومواجهتهم لمختلف أنواع الاعتداءات المعنوية منها والجسدية، وتجدد تضامنها مع كل ضحايا القمع من مناضلي ومناضلات الحركة وتضامنها مع عائلات الشهداء مؤكدة تشبثها التام بمطلب الحقيقة والمساءلة لكل المتورطين في الجرائم التي أدت  إلى استشهادهم.

-          تؤكد تشبثها بمواصلة النضال من أجل إقرار دستور ديمقراطي من حيث منهجية صياغته من طرف ممثلي القوى الحية بالبلاد ومن حيث مضمونه الديمقراطي وأسلوب المصادقة النهائية عليه عبر استفتاء ديمقراطي حر ونزيه، مع التأكيد على مطالبتها بملاءمة الدستور المغربي مع التزامات المغرب الدولية في مجال حقوق الإنسان واعتبار ذلك من أولويات المطالب الحقوقية والديمقراطية نظرا لما يشكله الدستور غير الديمقراطي الحالي من عرقلة أمام تشييد دولة الحق والقانون وبناء الديمقراطية وتحقيق التنمية. كما تؤكد الجمعية على ضرورة بناء أسس دولة الحق والقانون المتجسدة بالخصوص في انتخابات حرة ونزيهة وفي قضاء مستقل ونزيه وكفء وتشييد مجتمع الكرامة والمواطنة.

-          وانطلاقا من قناعتها المبدئية بأهمية العمل المشترك،  تعبر الجمعية عن تشبثها بشعار "وحدة العمل للدفاع عن حقوق الإنسان" وتحيي الدور الذي يؤديه الائتلاف المغربي لهيآت حقوق الإنسان كشبكة من الجمعيات تضم 22 هيئة معنية بحقوق الإنسان، وكافة الشبكات الموضوعاتية التي تشكلها الحركة الحقوقية من أجل الدفع بأوضاع حقوق الإنسان وتحسينها، مؤكدة على شعار مؤتمريها الأخيرين: "حركة حقوقية وديمقراطية قوية من أجل دستور ديمقراطي، دولة الحق والقانون ومجتمع الكرامة والمواطنة"، و"نضال مستمر ووحدوي من أجل دستور ديمقراطي يؤسس لسيادة قيم حقوق الإنسان الكونية"، اللذان يعكسان استعداد الجمعية للعمل مع كافة مكونات الحركة الحقوقية وسائر القوى الديمقراطية ببلادنا من أجل بناء دولة الحق والقانون ومجتمع المواطنة بكافة الحقوق.


المكتب المركزي
10 دجنبر 2014

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق