بقلم : عبد العزيز العبدي
ما كان يجب أن ننجر إلى نقاش الطائرات الخمس اللواتي رافقن الملك في زيارته الخاصة إلى استانبول، ليس لأن النقاش غير مهم، بل العكس، السؤال الذي طرح في مواقع التواصل الاجتماعي، حول مدى ضرورة أن يرافق رئيس البلد كل هذه الطائرات في رحلة لقضاء عطلة خاصة، وما هي كمية الأغراض الشخصية المفروض نقلها فيها، وإن كان هناك مظهر للتبذير وتبديد المال العام في وقت يعرف فيه البلد خصاص مهولا، وتعرف جزء من الساكنة كوارث مفجعة تمثلت في مخلفات الفيضانات والأمطار الغزيرة الأخيرة وغيرها من الأسئلة، كانت وجيهة وكانت تستلزم الاجابة والتبرير المقنع… ما كان يجب أن ننجر إلى هذا النقاش، لعلم الجميع أن حجم التبذير يفوق بكثير تكلفة الطائرات الخمس، وأن هذه الأخيرة استرعت الانتباه بحجمها الميكانيكي لا غير، وبوجود طائرات عسكرية بينهم…
لكن شاءت الأقدار، بفعل الخواء الذي نعيشه، خاصة في صحافتنا، الورقية منها قبل الافتراضية، أن يخرج علينا حكيم صحافة زمانه، في زاوية مظلمة من جريدته، بعنوان من صميم الاحداث، ليلقن الجميع دروس في هذه المهنة، وهي على كل حال ليست مهنتي، لكن بالنظر إلى تخلاط العرارم الواقع فيها، والذي تمس الحكيم بنفسه، لا بأس من الخوض فيها، تبياناً للقليل من الضوء ودحضاً لفكر انتهج اسلوب “تهباط السروال” إلى ما دون الركبة، معلنا عن سوأة متفحمة من آثر اللطم عليها وأشياء أخرى…
يجب ملاحظة أن ما كتب في هذه الزاوية مرتبط بما كتب في عاموده المنشور قبلها بيوم واحد، وهو يتهجم على أهل الفايسبوك، فقط لأنهم تصدوا لمغالطة نشرها في موقع تابع لجريدته، حول زكريا المومني، حين افترى عليه كونه عنف متدخلا في ندوة حضر فيها ادريس اليزمي بباريس، وهو عامود، على الرائحة العطنة التي تفوح منه، يعترف ضمنيا، بأن الفضاء الوحيد للنقاش العمومي المؤثر، في هذا البلد الذي دكت فيه نخبه وفضاءات النقاش فيه، هو موقع التواصل الاجتماعي الفايسبوك، وهو اعتراف يتسق ومبادرة وزير العدل والحريات وهو يتوعد مرتاديه بالسجن لمجرد وضع علامة “أحب” على منشور بمواصفات معينة…
كذلك يجب الانتباه إلى أن زاويته هذه جاءت بعد، واعتمدت على، فيديو الاعتذار الذي نشره اعلامي مصري يبث من تركيا، كونه أساء إلى المغاربة وهو يتحدث عن عدد الطائرات الخمس، وأن مغاربة أفهموه أن الطائرات العسكرية كانت تنقل مساعدات إلى المعارضة السورية وأن سفر الملك لم يستلزم سوى طائرتين لا غير…. وبناء على هذا الاعتذار، يشن هجوما على زملاءه من الصحفيين، ويطالبهم بالمهنية وتحري مصادر الأخبار وغيرها….
لن نناقش سريرة المذيع التلفزي وهو يذيع اعتذاره، بوجهه المتجهم وملامحه التي تدل على نوع من عدم الاقتناع بما يقوله، نتيجة ضغوط، وحدهم أصحاب الحال، ومدبروا السياسات الخفية، ومنهم الباطرون المباشر لصاحبنا، يعرفون كيف يديرونها وبأي مبالغ يهربون مقابلها… بل سنأخذ الأمور بظواهرها، ونناقش هذه المهنية المفترى عليها في هذا السجال…
أعتقد أنه صحفيا، لا يمكن اعتماد اعتذار المذيع المصري كمصدر للخبر، فالاعتذار لاحق، والمصدر الصحفي من خصائصه أنه سابق عن الخبر… مساعدات إلى المقاومة السورية تنخرط فيما يسمى الفعل المشروع دوليا، عكس تقديم المساعدة إلى نظام الاسد المنبوذ دوليا، وهو بالتالي سيلقى ترحيبا دوليا، سينعكس في صحافة البلدان الديمقراطية، فهل يستطيع صاحبنا الادلاء بجريدة عالمية واحدة تشيد بهذه المساعدات…؟
معروف عن المغرب، في إطار سياسته الخارجية، وخاصة اتجاه الدول الفقيرة، أنه يهلل ويطبل لكل المساعدات التي يقدمها، ولم يتكتم على أي واحدة منها، خاصة الأخيرة اتجاه الدول التي مُست بالايبولا، وقدمت في عز الكوارث الطبيعية التي عرفها الجنوب المغربي، وتسببت بدورها في استياء جزء مهم من رواد الفايسبوك، فكيف لم تجد هذه المساعدات المفترى عليها طريقها إلى وكالة المغرب العربي للأنباء، ولا في بلاغات الديوان الملكي، ولا في أخبار القناتين ؟ هناك حاجة ماسة لأن نسترجع بعض الحياء وبعض الحشمة ” والعرض” فيما نكتب…. ولعل أمام فضائح مثل هذه، يستحب الصمت فقط…. كان الاستياء سيمر، وسننعق كثيرا في الفايسبوك حول الطائرات، إلى أن يأتي محورا آخر نتسلى به وفيه، وسيعود الملك إلى البلد، رفقة الطائرات الخمس، بعد أن ينتهي من عطلته…. وبصحتو وراحتو…